Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 10-12)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ هذا الحرف ابن عامر { فَفَتَحْنَآ } بتشديد التاء للتكثير ، وباقي السبعة بتخفيفها . وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه نوحاً دعاه قائلا : إن قومه غلبوه سائلاً ربه أن ينتصر له منهم ، وأن الله انتصر له منهم ، فأهلكهم بالغرق ، لأنه تعالى فتح أبواب السماء بماء منهمر أي متدفق منصب بكثرة وأنه تعالى فجر الأرض عيوناً . وقوله : { عُيُوناً } ، تمييز محول عن المفعول ، والأصل فجرنا عيون الأرض . والتفجير : إخراج الماء منها بكثرة ، وأل ، في قوله : { فَالْتَقَى ٱلمَآء } للجنس ، ومعناه التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدر ، أي قدره الله وقضاه . وقيل : إن معناه أن الماء النازل من السماء والمتفجر من الأرض جعلهما الله بمقدار ليس أحدهما أكثر من الآخر ، والأول أظهر . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من دعاء نوح ربه جل وعلا ، أن ينتصر له ، من قومه فينتقم منهم ، وأن الله أجابه فانتصر له منهم فأهلكهم جميعاً بالغرق في هذا الماء المتلقى من السماء والأرض ، موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في الأنبياء : { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الأنبياء : 76 - 77 ] . وقوله تعالى في الصافات { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } [ الصافات : 75 ] - إلى قوله - { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } [ الصافات : 82 ] . وقد بين جل وعلا أن دعاء نوح فيه سؤاله الله أن يهلكهم إهلاكاً مستأصلاً ، وتلك الآيات فيها بيان لقوله هنا : فانتصر وذلك كقوله تعالى : { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } [ نوح : 26 - 27 ] وما دعا نوح على قومه إلا بعد أن أوحى الله إليه أنه لا يؤمن منهم أحد غير القليل الذي آمن ، وذلك في قوله تعالى : { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [ هود : 36 ] . وقد قال تعالى { وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } [ هود : 4 ] . وقوله تعالى { عُيُوناً } قرأه ابن كثير وابن عامر في رواية ابن ذكوان وعاصم ، في رواية شعبة وحمزة والكسائي : { عُيُوناً } بكسر العين لمجانسة الياء . وقرأه نافع وأبو عمرو وابن عامر في رواية هشام وعاصم في رواية حفص عيوناً بضم العين على الأصل .