Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 1-2)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال بعض أهل العلم : نزلت هذه الآية لما تجاهل الكفار الرحمن جل وعلا ، كما ذكره الله عنهم في قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } [ الفرقان : 60 ] كما تقدم في الفرقان . وقد قدمنا معنى الرحمن وأدلته من الآيات في أول سورة الفاتحة . وقوله تعالى : { عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } . أي علم نبيه صلى الله عليه وسلم القرآن فتلقته أمته عنه ، وهذه الآية الكريمة تتضمن رد الله على الكفار في قولهم إنه تعلم هذا القرآن من بشر كما تقدم في قوله : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [ النحل : 103 ] ، وقوله تعالى { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } [ المدثر : 24 ] أي يرويه محمد عن غيره . وقوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الفرقان : 4 - 5 ] . فقوله تعالى هنا { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } أي ليس الأمر كما ذكرتم من أنه تعلم القرآن من بشر ، بل الرحمن جل وعلا هو الذي علمه إياه ، والآيات الدالة على هذا كثيرة جداً ، كقوله تعالى { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ الفرقان : 6 ] ، وقوله تعالى : { الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [ هود : 1 ] ، وقوله تعالى { حـمۤ تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً } [ فصلت : 1 - 4 ] وقوله تعالى : { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف : 52 ] وقوله تعالى { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } [ طه : 113 ] . وقوله تعالى : { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } [ الفرقان : 33 ] وقوله تعالى : { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [ القيامة : 17 - 19 ] وقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } [ الشورى : 52 ] وقوله تعالى { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } [ يوسف : 3 ] . وقوله تعالى { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [ النساء : 113 ] ومن أعظم ذلك هذا القرآن العظيم . وقوله تعالى { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ } [ البقرة : 185 ] . وتعليمه جل وعلا هذا القرآن العظيم ، قد بين في مواضع أخر أنه من أعظم نعمه كما قال تعالى { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } - إلى قوله تعالى - { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } [ فاطر : 32 ] . وقد علم الله تعالى الناس أن يحمدوه على هذه النعمة العظمى التي هي إنزال القرآن ، وذلك في قوله تعالى { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } [ الكهف : 1 ] ، وبين أن إنزاله رحمة منه لخلقه جل وعلا في آيات من كتابه كقوله تعالى : { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [ القصص : 86 ] وقوله : { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [ الدخان : 5 - 6 ] وقد بينا الآيات الموضحة لذلك في الكهف والزخرف . { عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } حذف في أحد المفعولين ، والتحقيق أن المحذوف هو الأول لا الثاني ، كما ظنه الفخر الرازي ، وقد رده عليه أبو حيان ، والصواب هو ما ذكره ، من أن المحذوف الأول ، وتقديره : علم النبي صلى الله عليه وسلم وقيل جبريل ، وقيل الإنسان .