Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 46-46)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك ، أن الآية قد يكون فيها وجهان صحيحان كلاهما يشهد له قرآن ، فنذكر ذلك كله مبينين أنه كله حق ، وذكرنا لذلك أمثلة متعددة في هذا الكتاب المبارك ، ومن ذلك هذه الآية الكريمة . وإيضاح ذلك أن هذه الآية الكريمة فيها وجهان معروفان عند العلماء ، كلاهما يشهد له قرآن : أحدهما : أن المراد بقوله : { مَقَامَ رَبِّهِ } : أي قيامه بين يدي ربه ، فالمقام اسم مصدر بمعنى القيام ، وفاعله على هذا الوجه هو العبد الخائف ، وإنما أضيف إلى الرب لوقوعه بين يديه ، وهذا الوجه يشهد له قوله تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النازعات : 40 - 41 ] ، فإن قوله { وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } : قرينة دالة على أنه خاف عاقبة الذنب حين يقوم بين يدي ربه ، فنهى نفسه عن هواها . والوجه الثاني : أن فاعل المصدر الميمي الذي هو المقام ، هو الله تعالى : أي خاف هذا العبد قيام العبد قيام الله عليه ومراقبته لأعماله وإحصائها عليه ، ويدل لهذا الوجه الآيات الدالة على قيام الله على جميع خلقه وإحصائه عليهم أعمالهم كقوله تعالى : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [ البقرة : 255 ] ، وقوله تعالى : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } [ يونس : 61 ] الآية . إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا في سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى في شأن الجن : { يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } [ الأحقاف : 31 ] الآية ، أن قوله : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } ، وتصريحه بالامتنان بذلك على الإنس والجن في قوله { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 13 و 16 ] ، نص قرآني على أن المؤمنين الخائفين مقام ربهم من الجن يدخلون الجنة .