Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 13-14)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : ثلة : خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير ، هم ثلة ، والثلة الجماعة من الناس ، وأصلها القطعة من الشيء وهي الثل ، وهو الكسر . وقال الزمخشري : والثلة من الثل ، وهو الكسر ، كما أن الأمة من الأم وهو الشبح ، كأنها جماعة كسرت من الناس ، وقطعت منهم . اهـ . منه . واعلم أن الثلة تشمل الجماعة الكثيرة ، ومنه قول الشاعر : @ فجاءت إليهم ثلة خندفية بجيش كتيار من السيل مزيد @@ لأن قوله : تيار من السيل : يدل على كثرة هذا الجيش المعبر عنه بالثلة . وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذه الثلة من الأولين ، وهذا القليل من الآخرين المذكورين هنا ، كما اختلفوا في الثلتين المذكورتين في قوله : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 39 - 40 ] . فقال بعض أهل العلم : كل هؤلاء المذكورين من هذه الأمة ، وأن المراد بالأولين منهم الصحابة . وبعض العلماء يذكر معهم القرون المشهود لهم بالخير في قوله صلى الله عليه وسلم " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم " الحديث . والذين قالوا : هم كلهم من هذه الأمة ، قالوا : إنما المراد بالقليل ، وثلة من الآخرين ، وهم من بعد ذلك إلى قيام الساعة . وقال بعض العلماء : المراد بالأولين في الموضعين الأمم الماضية قبل هذه الأمة ، والمراد بالآخرين فيهما هو هذه الأمة . قال مقيده عفا الله عنه ، وغفر له : ظاهر القرآن في هذا المقام : أن الأولين في الموضعين من الأمم الماضية ، والآخرين فيهما من هذه الأمة ، وأن قوله تعالى : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } في السابقين خاصة ، وأن قوله : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 39 - 40 ] في أصحاب اليمين خاصة . وإنما قلنا : إن هذا هو ظاهر القرآن في الأمور الثلاثة ، التي هي شمول الآيات لجميع الأمم ، وكون قليل من الآخرين في خصوص السابقين ، وكون ثلة من الآخرين في خصوص أصحاب اليمين لأنه واضح من سياق الآيات . أما شمول الآيات لجميع الأمم فقد دل عليه أول السورة ، لأن قوله : { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } [ الواقعة : 1 ] - إلى قوله - { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } [ الواقعة : 6 ] لا شك أنه لا يخص أمة دون أمة ، وأن الجميع مستوون في الأهوال والحساب والجزاء . فدل ذلك على أن قوله : { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } [ الواقعة : 7 ] عام في جميع أهل المحشر ، فظهر أن السابقين وأصحاب اليمين منهم من هو من الأمم السابقة ، ومنهم من هو من هذه الأمة . وعلى هذا ، فظاهر القرآن ، أن السابقين من الأمم الماضية أكثر من السابقين من هذه الأمة ، وأن أصحاب اليمين من الأمم السابقة ليست أكثر من أصحاب اليمين من هذه الأمة ، لأنه عبر في السابقين من هذه الأمة بقوله : { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } وعبر عن أصحاب اليمين من هذه الأمة { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِين } . ولا غرابة في هذا ، لأن الأمم الماضية أمم كثيرة . وفيها أنبياء كثيرة ورسل ، فلا مانع من أن يجتمع من سابقيها من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من سابقي هذه الأمة وحدها . أما أصحاب اليمين من هذه الأمة فيحتمل أن يكونوا أكثر من أصحاب اليمين من جميع الأمم ، لأن الثلة تتناول العدد الكثير ، وقد يكون أحد العددين الكثيرين أكثر من الآخر ، مع أنهما كلاهما كثير . ولهذا تعلم أن ما دل عليه ظاهر القرآن واختاره ابن جرير ، لا ينافي ما جاء من أن نصف أهل الجنة من هذه الأمة . فأما كون قوله { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } دل ظاهر القرآن على أنه في خصوص السابقين ، فلأن الله قال { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [ الواقعة : 10 - 12 ] ثم قال تعالى مخبراً عن هؤلاء السابقين المقربين { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } . وأما كون قوله : { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 40 ] في خصوص أصحاب اليمين ، فلأن الله تعالى قال { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لاًّصْحَابِ ٱلْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 36 - 40 ] ، والمعنى هم أي أصحاب اليمين : ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ، وهذا واضح كما ترى .