Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-2)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الذي يظهر لي صوابه أن إذا هنا هي الظرفية المضمنة معنى الشرط ، وأن قوله الآتي : { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } [ الواقعة : 4 ] بدل من قوله : { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } وأن جواب إذا هو قوله : { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [ الواقعة : 8 ] وهذا هو اختيار أبي حيان خلافاً لمن زعم أنها مسلوبة معنى الشرط هنا ، وأنها منصوبة بأذكر مقدرة أو أنها مبتدأ ، وخلافاً لمن زعم أنها منصوبة بليس المذكورة بعدها . والمعروف عند جمهور النحويين أن إذا ظرف مضمن معنى الشرط منصوب بجزائه ، وعليه فالمعنى : إذا قامت القيامة وحصلت هذه الأحوال العظيمة ظهرت منزلة أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة . وقوله في هذه الآية الكريمة : { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } أي قامت القيامة ، فالواقعة من أسماء القيامة كالطامة والصاخة والآزفة والقارعة . وقد بين جل وعلا أن الواقعة هي القيامة في قوله : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } [ الحاقة : 13 - 16 ] . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } فيه أوجه من التفسير معروفة عند العلماء كلها حق ، وبعضها يشهد له قرآن . الوجه الأول : أن قوله كاذبة مصدر جاء بصفة اسم الفاعل ، فالكاذبة بمعنى الكذب كالعافية بمعنى المعافاة ، والعاقبة بمعنى العقبى ، ومنه قوله تعالى عند جماعات من العلماء { لاَ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } [ الغاشية : 11 ] قالوا معناه لا تسمع فيها لغواً ، وعلى هذا القول ، فالمعنى ليس لقيام القيامة كذب ولا تخلف بل هو أمر واقع يقيناً لا محالة . ومن هذا المعنى ، قولهم : حمل الفارس على قرنه فما كذب ، أي ما تأخر ولا تخلف ولا جبن . ومنه قول زهير : @ ليث يعثر يصطاد الرجال إذا ما كذب الليث عن أقرانه صدقا @@ وهذا المعنى قد دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ النساء : 87 ] الآية ، وقوله تعالى : { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } [ الحج : 7 ] ، وقوله تعالى : { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } [ آل عمران : 9 ] ، وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الشورى في الكلام على قوله تعالى : { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ الشورى : 7 ] . الوجه الثاني : أن اللام في قوله : { لِوَقْعَتِهَا } ظرفية ، و { كَاذِبَةٌ } اسم فاعل صفة لمحذوف أي ليس في وقعة الواقعة نفس كاذبة بل جميع الناس يوم القيامة صادقون بالاعتراف بالقيامة مصدقون بها ليس فيهم نفس كاذبة بإنكارها ولا مكذبة بها . وهذا المعنى تشهد له في الجملة آيات من كتاب الله كقوله تعالى : { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ الشعراء : 201 ] ، وقوله تعالى : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } [ الحج : 55 ] . وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة النمل في الكلام على قوله تعالى : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } [ النمل : 66 ] ، وباقي الأوجه قد يدل على معناه قرآن ولكنه لا يخلو من بعد عندي ، ولذا لم أذكره ، وأقربها عندي الأول .