Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 35-38)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الضمير في أنشأناهن : قال بعض أهل العلم : هو راجع إلى مذكور ، وقال بعض العلماء . هو راجع إلى غير مذكور ، إلا أنه دل عليه المقام . فمن قال إنه راجع إلى مذكور ، قال هو راجع إلى قوله { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } [ الواقعة : 34 ] قال : لأن المراد بالفرش النساء والعرب تسمي المرأة لباساً وإزاراً وفراشاً ونعلاً ، وعلى هذا فالمراد بالرفع في قوله { مَّرْفُوعَةٍ } رفع المنزلة والمكانة . ومن قال : إنه راجع إلى غير مذكور ، قال : إنه راجع إلى نساء لم يذكرن ، ولكن ذكر الفرش دل عليهن . لأنهن يتكئن عليها مع أزواجهن . وقال بعض العلماء : المراد بهن الحور العين ، واستدل من قال ذلك بقوله { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } لأن الإنشاء هو الاختراع والابتداع . وقالت جماعة من أهل العلم : أن المراد بهن بنات آدم التي كن في الدنيا عجائز شمطاً رمصاً ، وجاءت في ذلك آثار مرفوعة عنه صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا القول : فمعنى أنشأناهن إنشاء أي خلقناهن خلقاً جديداً . وقوله تعالى { فَجَعَلْنَاهُنَّ } أي فصيرناهن أبكاراً ، وهو جمع بكر ، وهو ضد الثيب . وقوله { عُرُباً } قرأه عامة القراء السبعة غير حمزة وشعبة عن عاصم { عُرُباً } بضم العين والراء ، وقرأ حمزة وشعبة { عُرُباً } بسكون الراء ، وهي لغة تميم ، ومعنى القراءتين واحدة ، وهو جمع عروب ، وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل ، وهذا هو قول الجمهور ، وهو الصواب إن شاء الله . ومنه قول لبيد : @ وفي الخباء عروب غير فاحشة ريا الروادف يعشى دونها البصر @@ وقوله تعالى : { أَتْرَاباً } جمع ترب بكسر التاء ، والترب اللذة . وإيضاحه أن ترب الإنسان ما ولد معه في وقت واحد ، ومعناه في الآية : أن نساءأهل الجنة على سن واحدة ليس فيهن شابة وعجوز ، ولكنهن كلهم على سن واحدة في غاية الشباب . وبعض العلماء يقول : إنهن ينشأن مستويات في السن على قدر بنات ثلاثة وثلاثين سنة ، وجاءت بذلك آثار مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكون الأتراب بمعنى المستويات في السن مشهور في كلام العرب . ومنه قول عمر بن أبي ربيعة : @ أبرزوها مثل المهاة تهادى بين خمس كواعب أتراب @@ وهذه الأوصاف الثلاثة التي تضمنتها هذه الآية الكريمة من صفات نساء أهل الجنة ، جاءت موضحة في آيات أخر . أما كونهن يوم القيامة أبكاراً ، فقد أوضحه في سورة الرحمن في قوله تعالى : { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمن : 56 ] في الموضعين لأن قوله : { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهمْ وَلاَ جَآنٌ } نص في عدم زوال بكارتهن ، وأما كونهن عرباً أي متحببات إلى أزواجهن ، فقد دل عليه قوله في الصافات : { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ } [ الصافات : 48 ] لأن معناه أنهن قاصرات العيون على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم لشدة محبتهن لهم واقتناعهن بهم ، كما قدمنا إيضاحه ، ولا شك أن المرأة التي لا تنظر إلى غير زوجها متحببة إليه حسنة التبعل معه . وقوله في ص : { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابُ } [ ص : 52 ] ، وقوله في الرحمن : { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمن : 56 ] ، وأما كونهن أتراباً فقد بينه تعالى في قوله في آية ص هذه ، { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابُ } ، وفي سورة النبأ في قوله تعالى : { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } [ النبأ : 31 - 33 ] . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } [ الواقعة : 38 ] يتعلق بقوله : { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ } ، وقوله { فَجَعَلْنَاهُنَّ } أي : أنشأناهن وصيرناهن أبكاراً لأصحاب اليمين .