Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 5-5)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللينة هنا ، قيل اسم عام للنخل ، وهذا اختيار ابن جرير . وقيل : نوع خاص منه ، وهو ما عدا البرني والعجوة فقط : ونقل ابن جرير عن بعض أهل البصرة يقول : اللينة من اللون ، وقال : وإنما سميت لينة ، لأنها فعلة من فعل وهو اللون ، وهو ضرب من النخل : ولكن لما انكسر ما قبلها انقلبت إلى يا إلخ وهذا الأخير قريب مما عليه أهل المدينة اليوم : حيث يطلقون كلمة " لونة " على ما لا يعرفون له اسماً خاصاً ، ولعل كلمة - لونة - محرفة عن كلمة لينة ، ويوجد عند أهل المدينة من أنواع النخيل ما يقرب من سبعين نوعاً . وقيل : إن اللينة كل شجرة لليونتها بالحياة . وقد نزلت هذه الآية في تقطيع وتحريق بعض النخيل لبني النضير عند حصارهم وقطع من البستان المعروف بالبويرة ، كما روى ابن كثير عن صاحبي الصحيحين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع ، وهي البويرة ، فأنزل الله عز وجل : { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ الحشر : 5 ] الآية . وقال حسان رضي الله عنه : @ وهَان عَلَى سراة بَنِي لؤي حريق بالبويرة مستطير @@ والبويرة معروفة اليوم ، وهو بستان يقع في الجنوب الغربي من مسجد قباء . وقيل في سبب نزولها : إن اليهود قالوا : يا محمد إنك تنهي عن الفساد ، فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله الآية . وقيل : إن المسلمين نهى بعضهم بعضاً عن قطع النخيل ، وقالوا إنما هو مغانم المسلمين ، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه ، وتحليل من قطع من الإثم ، وأن قطع ما قطع وترك ما ترك { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ } . وعلى هذه الأقوال ، قال ابن كثيرة وغيره : إن قوله تعالى : { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي الإذن القدري والمشيئة الإلهية ، أي كما في قوله تعالى : { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 166 ] ، وقوله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [ آل عمران : 152 ] . والذي يظهر - والله تعالى أعلم . أن الإذن المذكور في الآية ، هو إذن شرعي ، وهو ما يؤخذ من عموم الإذن في قوله تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [ الحج : 39 ] ، لأن الإذن بالقتال إذن بكل ما يتطلبه بناء على قاعدة الأمر بالشيء أمر به وبمالا يتم إلا به . والحصار نوع من القتال ، ولعل من مصلحة الحصار قطع بعض النخيل لتمام الرؤية ، أو لإحكام الحصار ، أو لإذلال وإرهاب العدو في حصاره وشعاره بعجزه عن حماية أمواله وممتلكاته ، وقد يكون فيه إثارة له ليندفع في حمية للدفاع عن ممتلكاته وأمواله ، فينكشف عن حصونه ويسهل القضاء عليه ، إلى غير ذلك من الأغراض الحربية ، والتي أشار الله تعالى إليها في قوله : { وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } أي بعجزهم وإذلالهم وحسرتهم ، وهم يرون نخيلهم يقطع ويحرق فلا يملكون له دفعاً . وعلى كل فالذي أذن بالقتال وهو سفك الدماء وإزهاق الأنفس وما يترتب عليه من سبي وغنائم لا يمنع في مثل قطع النخيل إن لزم الأمر ، ويمكن أن يقال : إن ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبإذن الله أذن . وبهذا يمكن أن يقال : إذا حاصر المسلمون عدواً ، ورأوا أن من مصلحتهم أو من مذلة العدو إتلاف منشآته وأمواله ، فلا مانع من ذلك . والله تعالى أعلم . وغاية ما فيه ، أنه إتلاف بعض المال للتغلب على العدو وأخذ جميع ماله ، وهذا له نظير في الشرع ، كعمل الخضر في سفينة المساكين لما خرقها ، أي أعابها بإتلاف بعضها ليستخلصها من اغتصاب الملك إياها ، وقال { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } [ الكهف : 82 ] . وقد جاء اعتراض المشركين على المسلمين في قتالهم في الأشهر الحرم ، كم اعترض اليهود على المسلمين في قطع النخيل ، وذلك في قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ } [ البقرة : 217 ] . فقد تعاظم المشركون قتل المسلمين لبعض المشركين في وقعة نخلة ، ولم يتحققوا دخول الشهر الحرام ، واتهموهم باعتداء على حرمة الأشهر الحرم ، فأجابهم الله تعالى بموجب ما قالوا بأن القتال في الشهر الحرام كبير ، ولكن ما ارتكبه المشركون من صد عن سبيل الله وكفر بالله ، وصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه - وهم المسلمون - أكبر عند الله ، والفتنة عن الدين وأكبر من القتل ، أي الذي استنكروه من المسلمين . وهكذا هنا ، لئن تعاظم اليهود على المسلمين قطع بعض النخيل ، وعابوا على المسلمين إيقاع الفساد بإتلاف بعض المال ، فيكف بهم بغدرهم وخيانتهم نقضهم العهود ، وتمالئهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وقد سجل هذا المعنى كعب بن مالك يذكر إجلاء بني النضير وقتل ابن الأشرف : @ لقد خزيت بغدرتها الحبور كذالك الدهر ذو صرف يدور وذلك أنهم كفروا برب عظيم أمره أمر كبير وقد أوتوا معاً فهماً وعلماً وجاءهم من الله النذير @@ إلى أن قال : @ فلما أشربوا غدراً وكفراً وجذبهم عن الحق الثغور أرى الله النَّبي برأي صدق وكان الله يحكم لا يجور فأيده وسلطه عليهم وكان نصيره نعم النصير @@ فقد أشار إلى أن خزي بني النضير بسبب غدرهم وكفرهم بربهم ، فكان الإذن في قطع النخيل هو إذن شرعي ، ويمكن أن يقال عنه ، هو عمل تشريعي إذا ما دعت الحاجة ، لمثل ما دعت الحاجة هنا إليه . والعلم عند الله تعالى .