Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 10-10)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في قوله تعالى : { إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } نص على امتحان المؤمنات المهاجرات ، وكان صلى الله عليه وسلم يمتحنهن : ما خرجت كرهاً لزوج أو فراراً لسبب ونحو ذلك . ذكره ابن كثير وغيره . وقيل : كان امتحانهن البيعة الآتية : ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن الآية ، ومفهومه أن الرجال المهاجرون لا يمتحنون . وفعلاً لم يكن النَّبي صلى الله عليه وسلم يمتحن من هاجر إليه والسبب في امتحانهن دون الرجال ، هو ما أشارت إليه هذه الآية في قوله تعالى : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } ، كأن الهجرة وحدها لا تكفي في حقهن بخلاف الرجال ، فقد شهد الله لهم بصدق إيمانهم بالهجرة في قوله { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [ الحشر : 8 ] وذلك أن الرجل إذا خرج مهاجراً يعلم أن عليه تبعة الجهاد والنصرة فلا يهاجر إلا وهو صادق الإيمان فلا يحتاج إلى امتحان ، ولا يرد عليه مهاجر أم قيس لأنه أمر جانبي ، ولا يمنع من المهمة الأساسية للهجرة المنوه عنه في أول هذه السورة { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي } [ الممتحنة : 1 ] الآية ، بخلاف النساء فليس عليهن جهاد ولا يلزمهن بالهجرة أية تبعية ، فأي سبب يواجههن في حياتهن سواء كان بسبب الزوج أو غيره ، فإنهن يخرجن باسم الهجرة . فكان ذلك موجباً للتوثق من هجرتهن بامتحانهن ليعلم إيمانهن ، ويرشح لهذا المعنى قوله تعالى : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } ، وفي حق الرجال { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [ الحجرات : 15 ] ، وكذلك من جانب آخر وهو أن هجرة المؤمنات يتعلق عليها حق مع طرف آخر ، وهو الزوج فيفسخ نكاحها منه ، ويعوض هو عما أنفق عليها ، وإسقاط حقه في النكاح وإيجاب حقه في العوض قضايا حقوقية ، تتطلب إثباتاً بخلاف هجرة الرجال . والله تعالى أعلم . وقوله تعالى : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّار } معلوم أن المؤمنات المهاجرات بعد الامتحان والعلم بأنهن مؤمنات لا ينبغي إرجاعهن إلى الكفار ، لأنهم يؤذونهن إن رجعن إليهم ، فلأي شيء يأتي النص عليه ؟ قال كثير من المفسرين : إن هذه الآية مخصصة لما جاء في معاهدة صلح الحديبية ، والتي كان فيها من جاء من الكفار مسلماً إلى المسلمين ردوه على المشركين ، ومن جاء من المسلمين كافراً للمشركين لا يردونه على المسلمين فأخرجت النساء من المعاهدة وأبقت الرجال من باب تخصيص العموم وتخصيص السنة بالقرآن ، وتخصيص القرآن بالسنة معلوم ، وقد بينه الشيخ رحمة الله تعالى عليه في مذكرة الأصول ، وذكر القاعدة من مراقي السعود بقوله : @ وخصص الكتاب والحديث به أو بالحديث مطلقاً فلتنتبه @@ ومما ذكره لأمثلة تخصيص السنة بالكتاب قوله صلى الله عليه وسلم : " ما أبين من حيّ فهو ميت " ، أي محرم ، جاء تخصيص هذا العموم بقوله تعالى : { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا } [ النحل : 80 ] أي ليس محرماً . ومن أمثلة تخصيص الكتاب بالسنة قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ } [ المائدة : 3 ] جاء تخصيص هذا العموم بقوله صلى الله عليه وسلم : " أحلت لنا ميتتان ودمان ، أما الميتتان : فالجراد والحوت " الحديث قال القرطبي : جاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب والنَّبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية بعد ، فأقبل زوجها وكان كافراً ، فقال : يا محمد اردد علي امرأتي فإنك شرطت ذلك ، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد ، فأنزل الله هذه الآية ، وقال بعض المفسرين : إنها ليست مخصصة للمعاهدة ، لأن النساء لم يدخلن فيها ابتداء ، وإنما كانت في حق الرجال فقط . وذكر القرطبي وابن كثير " أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت فارَّة من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها عمارة والوليد ، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخويها وحبسها ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ردها علينا للشرط ، فقال صلى الله عليه وسلم " كان الشرط في الرجال لا في النساء " ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، والذي يظهر والله تعالى أعلم أنها مخصصة لمعاهدة الهدنة ، وهي من أحسن الأمثلة لتخصيص السنة بالقرآن ، كما قاله ابن كثير . وقد روي أنها مخصصة عن عروة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد والزهري ومقاتل بن حيان والسدي . ويدل على أنها مخصصة أمران مذكوران في الآية . الأول منهما : أنها أحدثت حكماً جديداً في حقهن وهو عدم الحلية بينهن وبين أزواجهن ، فلا محل لإرجاعهن ، ولا يمكن تنفيذ معاهدة الهدنة مع هذا الحكم فخرجن منها وبقي الرجال . والثاني منهما : أنها جعلت للأزواج حق المعاوضة على ما أنفقوا عليهن ، ولو لم يكن داخلات أولاً لما كان طلب المعاوضة ملزماً ، ولكنه صار ملزماً ، وموجب إلزامه أنهم كانوا يملكون منعهن من الخروج بمقتضى المعاهدة المذكورة ، فإذا خرجن بغير إذن الأزواج كن كمن نقض العهد فلزمهن العوض المذكور . والله تعالى أعلم . وقوله تعالى : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ } ، فيها تحريم المؤمنات على الكافرين ، والظاهر أن التحريم بالهجرة لا بالإسلام قبلها ، واتفق الجمهور على أنه إذا أسلم وهاجر أحد الزوجين بقيت العصمة إلى نهاية العدة ، فإن هاجر الطرف الآخر فيها ، فهما على نكاحهما الأول . وهنا مبحث زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجها أبي العاص بن الربيع . وقد كثر الخلاف في أمر ردها إليه هل كان بالعقد الأول ، أو جدَّد لها صلى الله عليه وسلم عقداً جديداً ، ومن أسباب كثرة الخلاف الربط بين تاريخ إسلامها وتاريخ إسلامه ، وبينهما ست سنوات وهذا خطأ ، لأن قبل نزول الآية لم يقع تحريم بين مسلمة وكافر ، ونزولها بعد الحديبية وإسلامها كان سنة ثمان ، يحمل على عدم انقضاء عدتها ، وهذا يوافق على ما عليه الجمهور ، ونقل ابن كثير قولاً ، وهو أن المسلمة كانت بالخيار إن شاءت فسخت نكاحها وتزوجت بعد انقضاء عدتها ، وإن شاءت انتظرت اهـ . وهذا القول له وجه ، لأنه بإسلامها لم يكن كفأً لها وإذا انتفت الكفاءة أعطيت الزوجة الخيار ، كقصة بريرة لما عتقت وكان زوجها مملوكاً ، ولا يرده قوله تعالى : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } لأن ذلك في حالة كفر الزوج لقوله تعالى : { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } والله تعالى أعلم . وقوله تعالى : { وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } يدل على أن الفرقة إذا جاءت بسبب من جهة الزوجة أن عليها رد ما أنفق الزوج عليها ، وكونه الصداق أو أكثر قد بحثه الشيخ رحمة الله تعالى عليه في مبحث الخلع في سورة البقرة . وقوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } ، أمر المؤمنين بفك عصمة زوجاتهم الكوافر ، فطلق عمر بن الخطاب يومئذ زوجتين ، وطلق طلحة بن عبيد الله زوجته أروى بنت ربيعة ، وعصم الكوافر عام في كل كافرة ، فيشمل الكتابيات لكفرهن باعتقاد الولد لله ، كما حققه الشيخ رحمة الله تعالى عليه ، ولكن هذا العموم قد خصص بإباحة الكتابيات في قوله تعالى : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [ المائدة : 5 ] أي الحرائر ، وبقيت الحرمة بين المسلم والمشركة بالعقد على التأبيد . ومفهوم العصمة لا يمنع الإمساك بملك اليمين ، فيحل للمسلم الاستمتاع بالمشركة بملك اليمين ، وعليه تكون حرمة المسلمة على الكافر مطلقاً مشركاً كان أو كتابياً على التأبيد لقوله تعالى : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ } أي في الحاضر ، { وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } أي في المستقبل ، وقد فصل الشيخ رحمة الله تعالى عليه مسألة المحرمات من النكاح فيما تقدم عند قوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَات } [ النساء : 25 ] الآية . تنبيه هنا سؤال ، وهو : إذا كان الكفر هو سبب فك عصمة الكافرة من المسلم ، وتحريم المسلمة على الكافر ، فلماذا حلت الكافرة من أهل الكتاب للمسلم ، ولم تحل المسلمة للكافر من أهل الكتاب ؟ والجواب من جانبين : الأول : أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه والقوامة في الزواج للزوج قطعاً لجانب الرجولة ، وإن تعادلا في الحلية بالعقد ، لأن التعادل لا يلغي الفوارق كما في ملك اليمين ، فإذا امتلك رجل امرأة حل له أن يستمتع منها بملك اليمين والمرأة إذا امتلكت عبداً لا يحل لها أن تستمتع منه بملك اليمين ، ولقوامة الرجل على المرأة وعلى أولادها وهو كافر لا يسلم لها دينها ، ولا لأولادها ، والجانب الثاني شمول الإسلام وقصور غيره ، ويبين عليه أمر اجتماعي له مساس بكيان الأسرة وحسن العشرة ، وذلك أن المسلم إذا تزوج كتابية ، فهو يؤمن بكتابها وبرسولها ، فسيكون معها على مبدأ من يحترم دينها لإيمانه به في الجملة ، فسيكون هناك مجال للتفاهم ، وقد يحصل التوصل إلى إسلامها بموجب كتابها ، أما الكتابي إذا تزوج مسلمة ، فهو لا يؤمن بدينها ، فلا تجد منه احتراماً لمبدئها ودينها ، ولا مجال للمفاهمة معه في أمر لا يؤمن به كلية ، وبالتالي فلا مجال للتفاهم ولا للوئام ، وإذا فلا جدوى من هذا الزواج بالكلية ، فمنع منه ابتداءً . وقوله تعالى : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } يعني صداقهن . ويدل بمفهومه أن النكاح بدون الأجور فيه جناح ، وقد جاء النص بهذا المفهوم في قوله تعالى : { وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأحزاب : 50 ] ، فهبة المرأة نفسها بدون صداق خاص به صلى الله عليه وسلم ، فقوله تعالى : { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لا يحله لغيره صلى الله عليه وسلم ، وقوله { إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُن } ظاهر في أن النكاح لا يصح إلا بإتيان الأجور . وقد جاء ما يدل على صحة العقد بدون إتيان الصداق كما في قوله تعالى : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ } [ البقرة : 236 ] الآية . وقد ذكر الفقهاء حكم المفوضة ، أنه إن دخل بها فله صداق المثل ، ويدل لإطلاق الأجور على الصداق قوله تعالى في نكاح الإماء لمن لم يستطع طولاً للحرائر { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ النساء : 25 ] إلى قوله { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [ النساء : 25 ] وفي نكاح أهل الكتاب { ٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } [ المائدة : 5 ] الآية ، وقوله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم : { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } [ الأحزاب : 50 ] وبهذا كله يرد على من استدل بلفظ الأجور على نكاح المتعة في قوله تعالى : { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [ النساء : 24 ] وتقدم مبحث المتعة موجزاً للشيخ رحمة الله تعالى عليه عند قوله تعالى : { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ } .