Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 61, Ayat: 5-5)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قول موسى عليه السلام : لم تؤذونني ؟ لم يبين نوع هذا الإيذاء وقد جاء مثل هذا الإجمال في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } [ الأحزاب : 69 ] . وأحال عليه ابن كثير في تفسيره ، وساق حديث البخاري أنه صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : ما يتستر هذا التستر إلا من عيب في جلده ، إما برص وإما أدرة وإما آفة ، وأن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا فخلا يوماً وحده فخلع ثيابه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها ، وأن الحجر عدا بثوبه ، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، فجعل يقول : ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأه عرياناً أحسن ما خلق الله عز وجل وبرأه مما يقولون إلى آخر القصة " . ونقله غيره من المفسرين عندها ، وعلى هذا يكون إيذاؤهم إياه إيذاء شخصياً بادعاء العيب فيه خلقة ، وهذا وإن صح في آية الأحزاب لقوله تعالى : { فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُوا } ، فإنه لا يصح في آية الصف هذه لأن قول لهم . { وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّه إِلَيْكُمْ } مما يثير إلى أن الإيذاء في جانب الرسالة لا في جانبه الشخصي ، ويرشح له قوله تعالى بعده مباشرة : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } . أي فلما زاغوا بما آذوا به موسى ، فيكون إيذاء قومه له هنا إيذاء زيغ وضلال ، وقد آذوه كثيراً في ذلك كما بينه تعالى في قوله عنهم : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ البقرة : 55 ] . وكذلك قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ البقرة : 93 ] . فها هم يؤخذ الميثاق عليهم ويرفع فوقهم الطور ، ويقال لهم : { خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُوا } فكله يساوي قوله : { وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّه إِلَيْكُمْ } ، لأن قد هنا للتحقيق ، ومع ذلك يؤذونه بقولهم : { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } ويؤذونه بأن أشربوا في قلوبهم حب العجل وعبادته بكفرهم ، ولذا قال لهم : { بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِين } . وقد جمع إيذاء الكفار لرسول الله مع إيذاء قوم موسى لموسى في قوله تعالى : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ } [ النساء : 153 ] الآية . ومن مجموع هذا يتبين أن الإيذاء المنصوص عليه هنا هو في خصوص الرسالة ، ولا مانع من أنهم آذوه بأنواع من الإيذاء في شخصه ، وفي ما جاء به فبرأه الله مما قالوا في آية الأحزاب وعاقبهم على إيذائه فيما أرسل به إليهم بزيغ قلوبهم ، والعلم عند الله تعالى . وقوله : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } ، تقدم كلام الشيخ رحمة الله تعالى عليه على هذا المعنى في سورة الروم ، عند الكلام على قوله تعالى : { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤءَىٰ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ الروم : 10 ] الآية . وقال : إن الكفر والتكذيب قد يؤدي شؤمه إلى شقاء صاحبه ، وسارق هذه الآية { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } وقوله : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } [ البقرة : 10 ] . وأحال على سورة بني إسرائيل على قوله : { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ آذَانِهِمْ وَقْراً } [ الإسراء : 46 ] . وعلى سورة الأعراف على قوله : { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَافِرِينَ } [ الأعراف : 101 ] . ومما يشهد لهذا المعنى العام بقياس العكس قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] وأمثالها . ومما يلفت النظر هنا إسناد الزيغ للقلوب في قوله تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } . وأن والهداية أيضاً للقلب كما في قوله تعالى : { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ التغابن : 11 ] . ولذا حرص المؤمنين على هذا الدعاء : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } [ آل عمران : 8 ] فتضمن المعنيين ، والعلم عند الله تعالى .