Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 1-1)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } الآية . قيل في سبب نزولها أن النَّبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة رضي الله عنها فنزلت ، وقيل غير ذلك ، وعلى كل ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم . ومما يشهد لهذه القاعدة ما لو أخذنا بعين الاعتبار النسق الكريم بين السورتين ، حيث كان آخر ما قبلها موضوع الأولاد والزوجات من فتنة وعداء . والإشارة إلى علاج ما بين الزوجين من إنفاق وتسامح على ما أشرنا إليه سابقاً هناك ، فإن صلح ما بينهم بذاك فبها ونعمت ، وإن تعذر ما بينهما وكانت الفرقة متحتمة فجاءت هذه السورة على إثرها تبين طريقة الفرقة السليمة في الطلاق وتشريعه وما يتبعه من عدد وإنفاق ونحو ذلك . وقوله تعالى : { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيّ } بالنداء للنبي صلى الله عليه وسلم . وقوله ، { إِذَا طَلَّقْتُمُ } بخطاب لعموم الأمة . قالوا : كان النداء للنبي صلى الله عليه وسلم ، والخطاب للأمة تكريماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتكليفاً للأمة . وقيل : خوطبت الأمة في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم كخطاب الجماعة في شخصية رئيسها . وقال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه : ولهذه الآية استدل من يقول : إن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون داخلاً في عموم خطاب الأمة اهـ . والواقع أن الخطاب الموجه للنبي صلى الله عليه وسلم على ثلاث أقسام : الأول : قد يتوجه الخطاب إليه صلى الله عليه وسلم ولا يكون داخلاً فيه قطعاً ، وإنما يراد به الأمة بلا خلاف من ذلك قوله تعالى في بر الوالدين : { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [ الإسراء : 23 - 24 ] . فكل صيغ الخطاب هنا موجهة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قطعاً ليس مراد بذلك لعدم وجود والدين ، ولا أحدهما عند نزولها كما هو معلوم . الثاني : أن يكون خاصاً به لا يدخل معه غيره قطعاً ، نحو قوله تعالى : { وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأحزاب : 50 ] . والثالث : هو الشامل له صلى الله عليه وسلم ولغيره بدليل هذه الآية ، وأول السورة التي بعدها في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ } [ التحريم : 1 ] ، فهذا كله خطاب موجه له صلى الله عليه وسلم . وجاء بعدها مباشرة { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ } [ التحريم : 2 ] - بخطاب الجميع - { تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } [ التحريم : 2 ] فدل أن الآية داخلة في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } ، وهذا باتفاق . وقد بين الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، هذه المسألة بأقوى دليل فيها عند قوله تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } [ الروم : 30 ] إلى قوله : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } [ الروم : 31 ] . وقوله تعالى : { إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } الآية . يشعر بأن كل المطلقات من النساء يطلقن لعدتهن وتحصى عدتهن . والإحصاء العدد مأخوذ من الحصا ، وهو الحصا الصغير كانت العرب تستعمله في العدد لأميتهم ، ثم ذكر بعض عدد لبعض المطلقات ولم يذكر جميعهن مع أنه من المطلقات من لا عدة لهن وهن غير المدخول بهن . ومن المطلقات من لم يذكر عدتهن هنا . قال الزمخشري : إنه لا عموم ولا تخصيص ، لأن لفظ النساء اسم جنس يطلق على الكل وعلى البعض ، وقد أطلق هنا على البعض وهو المبين حكمهن بذكر عدتهن ، وهنا اللاتي يئسن والصغيرات وذوات الحمل ، وحاصل عدد النساء تتلخص في الآتي ، وهي أن الفرقة إما بحياة أو بموت ، والمفارقة إما حامل أو غير حامل ، فالحامل عدتها بوضع حملها اتفاقاً ، ولا عبرة بالخلاف في ذلك لصحة النصوص ، وغير الحامل بأربعة أشهر وعشر مدخول بها وغير مدخول . والمفارقة بالحياة إما مدخول بها أو غير مدخول بها ، فغير المدخول بها لا عدة عليها إجماعاً ، والمدخول بها إما من ذوات الإقراء فعدتها ثلاثة قروء على خلاف في المراد بالقرء . وأما من ليست من ذوات الإقراء . كاليائسة والصغيرة ، فعدتها بالأشهر ثلاثة أشهر . وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، في الجزء الأول عند قوله تعالى : { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } [ البقرة : 228 ] ، وفصّل أنواع المطلقات المدخول بهن وغير المدخول بهن وأنواع العدد بالإقراء أو الأشهر أو الحمل وبين الجمع بين العمومات الواردة في ذلك كله مما يغني عن الإعادة هنا . تنبيه كل ما تقدم في شأن العدة ، إنما هو في خصوص الحرائر ، وبقي مبحث الإماء . أما الإماء : فالحوامل منهن كالحرائر سواء بسواء ، وغير الحوامل فالجمهور على أنها على النصف من الحرة إلا أن الحيضة لما لم تكن تتجزأ فجعلت عدتها فيها حيضتين . وهذا باتفاق الأئمة الأربعة . أما ذات الأشهر ، فالجمهور على أنها تعتد شهراً ونصفاً ، وخالف مالك فجعل لها ثلاثة أشهر ، فيكون مالك رحمة الله وافق الجمهور في ذوات الحيض ، وخالف الجمهور في ذوات الأشهر ، وقد أخطأ ابن رشد مع مالك في نقاشه معه هذه المسألة ، فقال في بداية المجتهد : وقد اضطرب قول مالك في هذه المسألة ، فلا بالنص أخذ ولا بالقياس عمل ، يعني أنه لم يأخذ بالنص في ذوات الحيض فيجعل لهن ثلاثة قروء ، كما أخذ به في ذوات الأشهر ، حيث جعل لهن ثلاثة أشهر بالنص ولا بالقياس عمل ، أي فلم ينصف الأشهر قياساً على الحيض ، فكان مذهبه ملفقاً بين القياس في ذوات الحيض ، والنص في ذوات الأشهر ، فخالف في ذلك الأئمة الثلاثة . واضطرب قوله في نظر ابن رشد ، لأنه لم يطرد القياس فيهما ، ولا أعمل النص فيهما ، ولكن الحق في المسائل الخلافية لا يمكن أن يعرف إلا بعد معرفة وجهة النظر عن المخالف ، فقد يكون محقاً ، وقد يكون فعلاً الحق مع غيره . وفي هذه المسألة بالذات أشار العدوي في حاشيته : بأن وجهة نظر مالك هي الرجوع إلى أصل الغرض من العدة وهو براءة الرحم . والشهر والنصف لا يكفي للمرأة نفسها أن تخبر عن نفسها عما إذا كانت حاملاً أم لا ، فأكمل لها المدة المنصوص عليها . أما الحيضتان : ففيهما بيان لبراءة الرحم اهـ . ملخصاً . وهذا الذي قاله العدوي له أصل من الشرع ، لأن ذات الإقراء وجدناها في بعض الصور تعتد بحيضة ، كما جاء النص في عدة المختلعة ، وإن كان فيها خلاف . ووجدنا الأمة تثبت براءة رحمها في غير هذا بحيضتين قطعاً ، وهي فيما إذا كانت سرية لمالكها فأراد بيعها فإنه يستبرئها بحيضة ، والذي يشتريها يستبرئها بحيضة قبل أن يمسها . ثم هو يفترشها ويأمن من أن يسقي ماءه زرع غيره ، فعلمنا أن في الحيضتين براءة للرحمن ، فاكتفى بهما مالك ووافق الجمهور وأما الشهر والنصف فإنهما لا يمكن أن تتبين المرأة فيهما حملاً ، لأنها مدة الأربعين الأولى وهي مرحلة النطفة . فظهر بهذا أن الحق مع مالك ، وان ابن رشد هو الذي اضطربت مقالته على مالك ، وقد سقنا هذا التنبيه لبيان واجب طالب العلم أمام المسائل الخلافية من ضرورة البحث عن السبب ووجهة نظر المخالف وعدم المبادرة للإنكار ، لأن يكون هو أحق بأن ينكر عليه ولا يسارع لرد قول قد يكون قوله هو أولى بأن يرد عليه . وبالله التوفيق . وقوله تعالى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } ، اتفق المفسرون أن المراد لاستقبال عدتهن وفيه مبحث الطلاق السني والبدعي . واعلم أن الحامل وغير المدخول بها لا بدعة في طلاقهما عند الجمهور ، وألحقت بهما الصغير والطلاق البدعي هو جمع الثلاث في مرة أو الطلاق في الحيضة أو في طهر مسها فيه . وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله : يفرق الطلقات على الصغير كل طلقة في شهر ولا يجمعها ، وقد طال البحث في حكم الطلاق البدعي ، هل يقع ويحتسب على المطلق أم لا . والأصل فيه حديث " عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض ، فبلغ ذلك عمر فأخبر النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال له صلى الله عليه وسلم " مره فليراجعها " " . والذي عليه الجمهور أنه يعتد بتلك الطلقة ، وإن خالف فيها السنة ، وعليه أن يراجعها وليعمل كما أمر به النَّبي صلى الله عليه وسلم فليمسكها حتى تطهر ، ثم إن شاء أمسكها وإن شاء طلقها في طهر لم يمسها فيه . أي لتستقبل عدتها ما لم تكن الطلقة الثالثة أو بالثلاث على ما عليه الجمهور . وقد سئل أحمد رحمه الله عن الاعتداد بهذه الطلقة في الحيضة فقال : إن قوله صلى الله عليه وسلم : فليراجعها . يدل على الاعتداد بها لأنه لا رجعة إلا من طلاق . وقد أطال ابن دقيق العيد الكلام عليها في أحكام الإحكام وغيره مما لا داعي إلى سرده ، وحاصله ما قدمنا ، ولم يقل بعدم الاعتداد بها إلا سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين . وقال أبو حيان إن قوله تعالى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } على إطلاقه يشعر بالاعتداد بالطلاق سنياً كان أو بدعياً .