Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 12-12)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَرْيَمَ ٱبْنَةَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } . بين تعالى المراد بالروح بأنه جبريل عليه السلام في قوله : { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } [ مريم : 17 ] وهو جبريل . كما في قوله : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [ الشعراء : 193 ] أي نزل جبريل بالقرآن ، وفي هذه الآية رد على النصارى استدلالهم بها على أن عيسى عليه السلام ابن الله ومن روحه تعالى ، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً ، وبيان هذا الرد أن قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } [ مريم : 17 ] تعدية أرسل بنفسه ، يدل على أن الذي أرسل يمكن إرساله بنفسه ، وهو فرق عند أهل اللغة ، بينما يرسل نفسه وما يرسل مع غيره كالرسالة ، والهدية ، فيقال فيه : أرسلت إليه بكذا ، كما في قوله : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } [ النمل : 35 ] الآية . فالهدية لا ترسل بنفسها ، ومثله بعثت ، تقول : بعثت البعير من مكانه ، وبعثت مبعوثاً ، وبعثت برسالة ، ثانياً قوله : { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } [ مريم 17 ] لفظ الروح مؤنث ، كما في قوله تعالى : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } [ الواقعة : 83 - 84 ] أنت الفعل في بلغت ، وهنا الضمير مذكر عائد لجبريل . وقوله : { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } [ مريم : 17 ] ، ولو أنه من روح الله على ما ذهب إليه النصارى ، لما كان في حاجة إلى هذا التمثيل . ثالثاً قوله لها : { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ } [ مريم : 19 ] ورسوله ربها هو جبريل عليه السلام ، وليس روحه تعالى . رابعاً : قوله : { لأَهَبَ لَكِ غُلاَمَاً زَكِيّاً } [ مريم : 19 ] ، ولم يقل لأهب لك روحاً من الله . ومن هذا أيضاً قوله تعالى للملائكة { إِنِّي خَالِقُ بَشَراً مِّن طِينٍ } [ ص : 71 ] يعني آدم عليه السلام { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } [ ص : 72 ] أي نفخت فيه الروح التي بها الحياة ، { فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [ ص : 72 ] . فلو أن الروح من الله لكان آدم أولى من عيسى ، لأنه لم يذكر إرسال رسول له ، وقد قال تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] ، فكذلك عيسى عليه السلام لما بشرتها به الملائكة ، { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 47 ] ، فكل من آدم وعيسى ، قال له تعالى { كن فكان } والله تعالى أعلم .