Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 29-30)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } . في هذه الآية الكريمة للعلماء وجهان من التفسير الأول أن معنى { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } أي كما سبق لكم في علم الله من سعادة أو شقاوة ، فإنكم تصيرون إليه . فمن سبق له العلم بأنه سعيد صار إلى السعادة ، ومن سبق له العلم بأنه شقي صار إلى الشقاوة ، ويدل لهذا الوجه قوله بعده { فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } . وهو ظاهر كما ترى ، ومن الآيات الدالة عليه أيضاً قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } التغابن 2 ، وقوله { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُم } هود 119 الآية ، أي ولذلك الاختلاف إلى شقي ، وسعيد خلقهم . الوجه الثاني أن معنى قوله { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } ، أي كما خلقكم أولاً ، ولم تكونوا شيئاً ، فإنه يعيدكم مرة أخرى . ويبعثكم من قبوركم أحياء بعد أن متم وصرتم عظاماً رميماً ، والآيات الدالة على هذا الوجه كثيرة جداً ، كقوله { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا } الأنبياء 104 الآية ، وقوله { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُه } الروم 27 الآية ، وقوله { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } يس 79 الآية ، وقوله { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } الحج 5 إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أنه قد يكون في الآية وجهان ، وكل واحد منهما حق ، ويشهد له القرآن ، فنذكر الجميع ، لأنه كله حق ، والعلم عند الله تعالى قوله تعالى { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } . وبين تعالى في هذه الآية الكريمة ، أن الكفار اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ، ومن تلك الموالاة طاعتهم لهم فيما يخالف ما شرعه الله تعالى ، ومع ذلك يظنون أنفسهم على هدى . وبين في موضع آخر أن من كان كذلك فهو أخسر الناس عملاً ، والعياذ بالله تعالى ، وهو قوله جل وعلا { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } الكهف 103 - 104 . تنبيه هذه النصوص القرآنية تدل على أن الكافر لا ينفعه ظنه أنه على هدى ، لأن الأدلة التي جاءت بها الرسل لم تترك في الحق لبساً ولا شبهة ، ولكن الكافر لشدة تعصبه للكفر لا يكاد يفكر في الأدلة التي هي كالشمس في رابعة النهار لجاجاً في الباطل ، وعناداً ، فلذلك كان غير معذور . والعلم عند الله تعالى .