Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 1-2)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن جرير : اختلف القراء في قراءة قوله تعالى : { لآَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } ، فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار ، لا أقسم مفصولة من أقسم سوى الحسن والأعرج ، فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرآن ذلك : لأقسم بيوم القيامة . بمعنى أقسم بيوم القيامة . ثم دخلت عليها لام القسم والقراءة التي لا أستجيز غيرها في هذا الموضع لا مفصولة ، أقسم مبتدأة على ما عليه قراء الأمصار بإجماع الحجة من القراء عليه . وقد اختلف الذين قرؤوا ذلك على وجه الذي اخترنا قراءته في تأويله ، فقال بعضهم : لا صلة ، إنما معنى الكلام : أقسم بيوم القيامة ، وعزاه إلى سعيد بن جبير . وقال آخرون : بل دخلت لا توكيداً للكلام . وذكر عن أبي بكر بن عياش في قوله : لا أقسم . توكيد للقسم كقوله : لا والله . وقال بعض نحويي الكوفة : لا ، رد لكلام قد مضى من كلام المشركين الذين كانوا ينكرون الجنة والنار . ثم ابتدئ القسم ، فقيل : { أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } وكان يقول : كل يمين قبلها رد كلام ، فلا بد من تقديم لا قبلها ، ليفرق بذلك بين اليمين التي تكون جحداً واليمين التي تستأنف ، ويقول : ألا ترى أنك تقول مبتدئاً : والله إن الرسول لحق ، وإذا قلت : لا والله ، إن الرسول لحق ، فكأنك أكذبت قوماً أنكروه ، واختلفوا أيضاً في ذلك هل هو قسم أم لا . وذكر الخلاف في ذلك ، والواقع أن هذه المسألة من المشكلات من حيث وجود اللام ، وهل هي نافية للقسم أم مثبتة ؟ وعلى أنها مثبتة فما موجبها ؟ هل هي رد لكلام سابق أم تأكيد للقسم ؟ وهل وقع إقسام أم لا ؟ كما ذكر كل ذلك ابن جرير . وقد تناولها الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في كتابه دفع إيهام الاضطراب في موضعين الاول في هذه السورة . واثاني في سورة البلد عند قوله تعالى : { لآَ أُقْسِمُ بِهَذَا ٱلْبَلَدِ } [ البلد : 1 ] ، فبين في الموضع الأول أنها أي لا : نافية لكلام قبلها فلا تتعارض مع الإقسام بيوم القيامة فعلاً الواقع في قوله تعالى : { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } [ البروج : 2 ] . والثاني أنها صلة ، وقال : سيأتي له زيادة إيضاح ، والموضع الثاني : { لآَ أٌقْسِمُ بِهَذَا ٱلْبَلَدِ } [ البلد : 1 ] ساق فيه بحثاً طويلاً مهماً جداً نسوق خلاصته . وسيطبع الكتاب إن شاء الله مع هذه التتمة فليرجع إليه . خلاصة ما ساقه رحمة الله تعالى علينا وعليه : قال : الجواب عليها من أوجه . الأول ، وعليه الجمهور أن لا هنا صلة على عادة العرب ، فإنها ربما لفظت بلفظة لا من غير قصد معناها الأصلي ، بل لمجرد تقوية الكلام وتوكيده كقوله : ما منعك إذا رأيتهم ضلوا ألا تتبعني . يعني أن تتبعني . وقوله : لئلا يعلم أهل الكتاب . وقوله : فلا وربك لا يؤمنون . وقول امرئ القيس : @ فلا وأبيك ابنة العامري لا يدع القوم أني أفر @@ يعني وأبيك ، وأنشد الفراء لزيادة لا في الكلام الذي فيه معنى الجحد ، قول الشاعر : @ ما كان يرضى رسول الله دينهم والأطيبان أبو بكر ولا عمر @@ يعني وعمر ، وأنشد الجوهري لزيادتها قول العجاج : @ في بئر لا حور سرى وما شعر بإفكه حتَّى رأى الصبح شجر @@ والحور : الهلكة : يعني في بئر هلكة ، وأنشد غيره : @ تذكرت ليلى فاعترَتني صبابة وكاد صميم القَلب لا يتقطع @@ والوجه الثاني : أن لا نفي لكلام المشركين المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم . وقوله : أقسم : إثبات مستأنف . وقيل : إن هذا الوجه ، وإن قال به كثير من العلماء ، إلا أنه ليس بوجيه عندي ، لقوله تعالى في سورة القيامة { وَلآَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } ، لأن قوله { وَلآَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } يدل على انه لم يرد الإثبات المستأنف بعد النفي بقوله أقسم والله تعالى أعلم . الوجه الثالث : أنها حرف نفي أيضاً ووجهه أن إنشاء القسم يتضمن الإخبار عن تعظيم المقسم به . فهو نفي لذلك الخبر الضمني على سبيل الكناية . والمراد أنه لا يعظم بالقسم ، بل هو في نفسه عظيم أقسم به أولاً . وهذا القول ذكره صاحب الكشاف وصاحب روح المعاني ، ولا يخلو عندي من نظر . الوجه الرابع : أن اللام لام الابتداء ، أشبعت فتحتها . والعرب ربما أشبعت الفتحة بألف والكسرة بياء والضمة بواو . ومثاله في الفتحة قول عبد يغوث الحارث : @ وتَضحك مني شيخة عبشمية كأن لم ترى قَبلي يَسيرا يمانيا @@ فالأصل : كأن لم تر ، ولكن الفتحة أشبعت . وقول الراجز : @ إذا العجوز غضبت فطلق ولا ترضاها ولا تملق @@ وقول عنترة في معلقته : @ ينباع من ذفري غضوب جسرة زيافة مثل العتيق المكدم @@ فالأصل ينبع ، يعني العرق ينبع من الذفري من ناقته ، فأشبعت الفتحة فصارت ينباع ، وقال : ليس هذا الإشباع من ضرورة الشعر . ثم ساق الشواهد على الإشباع بالضمة والكسرة ، ثم قال : يشهد لهذا لوجه قراءة قنبل : لأقسم بهذا البلد بلام الابتداء ، وهو مروي عن البزي والحسن . والعلم عند الله تعالى اهـ . ملخصاً . فأنت ترى أنه رحمة الله قدم فيها أربعة أوجه صلة ، ونفي الكلام قبلها ، وتأكيد للقسم ، ولام ابتداء . واستدل له بقراءة قنبل أي لأقسم متصلة ، أما كونها لام ابتداء لقراءة قنبل والحسن ، فقد تقدم أن ابن جرير لا يستجيز هذه القراءة لإجماع الحجة من القراء على قراءتها مفصولة { لا } أقسم . ولعل أرجح هذه الأوجه كلها أنها لتوكيد القسم ، كما ذكر ابن جرير عن نحويي الكوفة والله تعالى أعلم .