Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عم أصله عن ما أدغمت النون في الميم ، ثم حذف ألف الميم ، لدخول حرف الجر عليه للفرق بين ما الاستفهامية وما الموصولة . والمعنى : عن أيّ شيء يتساءلون ، وقد يفصل حرف الجر عن ما ، فلا يحذف الألف . وأنشد الزمخشري قول حسان رضي الله عنه : @ على ما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ فِي رماد @@ وقال في الكشاف : وعن ابن كثير أنه قرأ عمه ، بهاء السكت ، ثم وجهها بقوله : إما أن يجرى الوصل مجرى الوقف ، وإما أن يقف ويبتدئ يتساءلون عن النبإ العظيم ، على أن يضمر يتساءلون ، لأن ما بعده يفسره . وقال القرطبي : قوله : عن النبإ العظيم : ليس متعلقاً بيتساءلون المذكور في التلاوة ، ولكن يقدر فعل آخر عم يتساءلون عن النبإ العظيم ، وإلا لأعيد الاستفهام أعن النبإ العظيم ؟ وعلى كل ، فإن ما تساءلوا عنه أُبهم أولاً ، ثم بين بعده بأنهم يتساءلون عن النبإ العظيم ، ولكن بقي بيان هذا النبإ العظيم ما هو ؟ فقيل : هو الرَّسول صلى الله عليه وسلم في بعثته لهم . وقيل : في القرآن الذي أنزل عليه يدعوهم به . وقيل في البعث بعد الموت . وقد رجح ابن جرير : احتمال الجميع وألا تعارض بينها . والواقع أنها كلها متلازمة ، لأن من كذب بواحد منها كذب بها كلها ، ومن صدق بواحد منها صدق بها كلها ، ومن اختلف في واحد منها لا شك أن يختلف فيها كلها . ولكن السياق في النبإ وهو مفرد . فما المراد به هنا بالذات ؟ قال ابن كثير والقرطبي : من قال إنه القرآن : قال بدليل قوله : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ ص : 67 - 68 ] . ومن قال : إنه البعث قال بدليل الآتي بعدها : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } [ النبأ : 17 ] . والذي يظهر والله تعالى أعلم : أن أظهرها دليلاً هو يوم القيامة والبعث ، لأنه جاء بعده بدلائل وبراهين البعث كلها ، وعقبها بالنص على يوم الفصل صراحة ، أما براهين البعث فهي معلومة أربعة : خلق الأض والسماوات ، وإحياء الأرض بالنبات ، ونشأة الإنسان من العدم ، وإحياء الموتى بالفعل في الدنيا لمعاينتها وكلها موجودة هنا . أما خلق الأرض والسماوات ، فنبه عليه بقوله : { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } [ النبأ : 6 - 7 ] ، وقوله : { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } [ النبأ : 12 - 13 ] فكلها آيات كونية دالة على قدرته تعالى كما قال : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [ غافر : 57 ] . وأما إحياء الأرض بالنبات ففي قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } [ النبأ : 14 - 16 ] كما قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } [ فصلت : 39 ] . وأما نشأة الإنسان من العدم ، ففي قوله تعالى : { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } [ النبأ : 8 ] أي أصنافاً ، كما قال تعالى : { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [ يس : 79 ] . وأما إحياء الموتى في الدنيا بالفعل ، ففي قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } [ النبأ : 9 ] والسبات : الانقطاع عن الحركة . وقيل : هو الموت ، فهو ميتة صغرى ، وقد سماه الله وفاة في قوله تعالى : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا } [ الزمر : 42 ] ، وقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } [ الأنعام : 60 ] ، وهذا كقتيل بني إسرائيل وطيور إبراهيم ، فهذه آيات البعث ذكرت كلها مجملة . وقد تقدَّم للشَّيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه إيرادها مفصلة في أكثر من موضع ، ولذا عقبها تعالى بقوله : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } [ النبأ : 17 ] أي للبعث الذي هم فيه مختلفون ، يكون السياق مرجحاً للمراد بالنبأ هنا . ويؤكد ذلك أيضاً ، كثرة إنكارهم وشدة اختلافهم في البعث أكثر منهم في البعثة ، وفي القرآن ، فقد أقر أكثرهم ببلاغة القرآن ، وأنه ليس سحراً ولا شعراً ، كما أقروا جميعاً بصدقه عليه السلام وأمانته ، ولكن شدة اختلافهم في البعث كما في أول سورة صۤ قۤ ، ففي صۤ قال تعالى : { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ ص : 4 - 5 ] . وفي قۤ قال تعالى : { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ } [ قۤ : 2 - 3 ] ، فهم أشد استبعاداً للبعث مما قبله ، والله تعالى أعلم . قوله تعالى : { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } . لم يبين هنا هل علموا أم لا . ولكن ذكر آيات القدرة الباهرة على إحيائهم بعد الموت بمثابة إعلامهم بما اختلفوا فيه ، لأنه بمنزلة من يقول لهم : إن كنتم مختلفين في إثبات البعث ونفيه ، فهذه هي آياته ودلائله فاعتبروا بها وقايسوه عليها ، والقادر على إيجاد تلك ، قادر على إيجاد نظيرها . ولكن العلم الحقيقي بالمعاينة لم يأت بعد لوجود السين وهي للمستقبل ، وقد جاء في سورة التكاثر في قوله : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } [ التكاثر : 1 - 7 ] ، وهذا الذي سيعلمونه يوم الفصل المنصوص عليه في السياق ، { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } [ النبأ : 17 ] .