Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 1-1)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الواو للقسم ، والمقسم به محذوف ، ذكرت صفاته في كل المذكورات ، إلى قوله : { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } [ النازعات : 5 ] . وقد اختلف في المقسم به فيها كلها ، على ما سيأتي بيانه إن شاء الله . والنازعات : جمع نازعة ، والنزع : جذب الشَّيء بقوة من مقره ، كنزع القوس عن كبده ، ويستعمل في المحسوس والمعنوي ، فمن الأول نزع القوس كما قدمنا ، ومنه قوله : ونزع يده ، وقوله : { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] وينزع عنهما لباسهما ، ومن المعنوي قوله تعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً } [ الحجر : 47 ] ، وقوله : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [ النساء : 59 ] ، والحديث : لعله نزعه عرق . والإغراق المبالغة ، والاستغراق : الاستيعاب . أما المراد بالنازعات غرقاً هنا ، فقد اختلف فيه إلى حوالى عشرة أقوال منها : أنها الملائكة تنزع الأرواح ، والنجوم تنتقل من مكان إلى مكان آخر ، والأقواس تنوع السهام ، والغزاة ينزعون على الأقواس ، والغزاة ينزعون من دار الإسلام إلى دار الحرب للقتال ، والوحوش تنزع إلى الطلا ، أي الحيوان الوحشي . والنَّاشطات : قيل أصل الكلمة : النَّشاط والخفَّة ، والأنشوطة : العقدة سهلة الحل ، ونشطه بمعنى ربطه ، وأنشطه حله بسرعة وخفة ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " كأنما أنشط من عقال " . أما المراد به هنا فقد اختلف فيه على النحو المتقدم تقريباً ، فقيل : الملائكة تنشط الأرواح ، وقيل : أرواح المؤمنين تنشط عند الفزع ، ولم يرجح انب جرير معنى منها ، وقال : كلها محتملة ، وحكاها غيره كلها . وقد ذكر في الجلالين المعنى الأول منها فقط ، والذي يشهد له السياق والنصوص الأخرى : أن كلاً من النازعات والناشطات : هم الملائكة ، وهو ما روي عن ابن عباس ومجاهد ، وهي صفات لها في قبض الأرواح . ودلالة السياق على هذا المعنى : هو أنهما وصفان متقابلان : الأول نزع بشدَّة ، والآخر نشاط بخفة ، فيكون النزع غرقاً لأرواح الكفار ، والنشط بخفة الأرواح المؤمنين ، وقد جاء ذلك مفسراً في قوله تعالى في حق نزع أرواح الكفار { وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } [ الأنعام : 93 ] الآية . وقوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاَۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } [ الأنفال : 50 ] ، وقوله تعالى في حق المؤمنين : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [ الفجر : 27 - 28 ] ، وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [ فصلت : 30 ] . وهذا يتناسب كل المناسبة مع آخر السورة التي قبلها إذ جاء فيها : { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } [ النبأ : 40 ] ، ونظر المرء ما قدمت يداه يبدأ من حالة النزع حينما يثقل اللسان عن النطق في حالة الحشرجة ، حين لا تقبل التوبة عند العاينة لما سيؤول إليه ، فينظر حينئذٍ ما قدمت يداه ، وهذا عند نزع الروح أو نشطها ، والله تعالى أعلم .