Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 1-1)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقدم معنى التسبيح وهو التنزيه عن كل ما لا يليق ، والأمر بالتسبيح هنا منصب على { ٱسْمَ رَبِّكَ } ، وفي آيات أخر ، جاء الأمر بتسبيح الله تعالى كقوله : { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } [ الإنسان : 26 ] . ومثل : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ الروم : 17 ] . وتسبيح الرب سبحانه كقوله : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 180 ] ، فاختلف في هذه الآية ، هل المراد تسبيح الله أو المراد تسبيح اسمه تعالى ، كما هو هنا ؟ ثم اختلف في المراد بتسبيح اسم الله تعالى ، وجاءت مسألة الاسم والمسمى . وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في سورة الواقعة ، عند قوله تعالى : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 74 ] ، قوله : إن الباء هناك داخلة على المفعول كدخولها عليه في قوله : { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } [ مريم : 25 ] ، وأحال على متقدم في ذلك ، وحكى كلام القرطبي أن الاسم بمعنى المسمى ، واستشهد له من كلام العرب بقول لبيد : @ إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر @@ وقال : لا يلزم في نظري أن الاسم بمعنى المسمى هنا ، لإمكان كون المراد نفس الاسم ، لأن أسماء الله ألحد فيها قوم ونزَّهها آخرون ، ووصفها الله بأنها بالغة غاية الحسن ، لاشتمالها على صفاته الكريمة ، كما في قوله : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] . وقوله تعالى : { أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الإسراء : 110 ] . ثم قال : ولسنا نريد أن نذكر كلام المتكلمين في الاسم والمسمى هل الاسم هو المسمى أو لا ؟ لأن مرادنا هنا بيان معنى الآية . 1هـ . فتضمن كلامه رحمة الله تعالى علينا وعليه ، احتمال كون المراد : تنزيه اسم الله عما ألحد فيه الملحدون ، كاحتمال تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله ، كما تضمن عدم لزوم كون الاسم هنا بمعنى المسمى ، ولعلنا نورد مجمل بيان تلك النقاط إن شاء الله . أما تنزيه أسماء الله فهو على عدة معانٍ . منها : تنزيهها عن إطلاقها على الأصنام كاللات والعزى واسم الآلهة . ومنها : تنزيهها عن اللهو بها واللعب ، كالتلفظ بها في حالة تنافي الخشوع والإجلال كمن يعبث بها ويلهو ، ونظيره من يلهو ويسهو عن صلاته ، { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } [ الماعون : 4 - 5 ] ، أو وضعها في غير مواضعها ، كنقش الثوب أو الفراش الممتهن . ومنها : تنزيهها عن المواطن غير الطاهرة ، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه لما في من نقش محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومنه : صيانة الأوراق المكتوبة من الابتذال صوناً لاسم الله . وعلى هذا تكون هذه الآية موضحة لآية الواقعة ، وأن { ٱسْمَ رَبِّكَ } واقع موقع المفعول به ، وهو المراد بالتسبيح ، وعلى أن المراد تسبيح الله تعالى ، فقالوا : إن الاسم هو المسمى ، كما قال القرطبي وغيره ، وقالوا : الاسم صلة ، كما في بيت لبيد المتقدم . أما مسألة الاسم هل هو عين المسمى أم لا ، فقد أشار إليها الفخر الرازي ، وقال : إنه وصف ركيك . أما قول الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، ولا يلزم في نظري كون الاسم بمعنى المسمى هنا ، فإنه بلازم إلى بسط قليل ، ليظهر صحة ما قاله . وقد ناقشها الرازي بعد مقدمة ، قال فيها : من الناس من تمسك بهذه الآية ، في أَن الاسم نفس المسمى . فأقول : إن الخوض في الاستدلال لا يمكن إلا بعد تلخيص محل النزاع ، فلا بد ها هنا من بيان أن الاسم ما هو والمسمى ما هو . فنقول : إن كان المراد من الاسم هو هذا اللفظ ، وبالمسمى تلك الذات ، فالعاقل لا يمكن أن يقول : الاسم هو المسمى ، وإن كان المراد من الاسم هو تلك الذات ، وبالمسمى أيضاً تلك الذات . كان قولنا الاسم نفس المسمى ، هو أن تلك الذات هي تلك الذات . وهذا لا يمكن أن ينازع فيه عاقل ، فعلمنا أن هذه المسألة في وصفها ركيكة ، وذكر الاشتباه على المتأخرين بسبب لفظ الاسم الذي هو قسيم الفعل والحرف ، إذ هو مراد المتقدمين في إطلاقه وإرادة مسماه . ومن هنا تعلم : لماذا أعرض الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه عن بيانها ؟ وقد أوردنا هذا البيان المجمل ، لنطلع القارئ إليه ، وعلى كل تقدير عند المتقدمين أو المتأخرين فإنه إن وقع الاحتمال في الذوات الأخرى فلا يقع في ذات الله وأسمائه ، لأن لأسماء الله أحكاماً لا لأسماء الآخرين ، ولأسمائه سبحانه حق التسبيح والتنزيه والدعاء بها كما تقدم . وهنا وجهة نظر لم أر من صرح بها ، ولكن قد تفهم من كلام بعض المفسرين وتشير إليها السنة . وهي : أن يكون التسبيح هنا بمعنى الذكر والتعبد ، كالتحميد والتهليل والتكبير . وقد جاء في كلام الرازي قوله : ويكون المعنى سبح ربك بذكر أسمائه ، ونحوه في بعض نُقول الطبري . أما إشارة السنة إلى ذلك ، فقد روى الطبري وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنها لما نزلت ، قال صلى الله عليه وسلم بعد أن قرأها : " سبحان ربي الأعلى " . وكذلك ما روي " أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 74 ] ، قال : " اجعلوها في ركوعكم " ولما نزلت هذه قال : " اجعلوها في سجودكم " " . وساق القرطبي أثراً طويلاً في فضلها في الصلاة وخارج الصلاة ، لكنه ليس بصحيح . وجاء الحديث الصحيح " تسبحون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ، وتكبرون ثلاثاً وثلاثين ، وتختمون المائة بلا إله إلا الله " . وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " " ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ، بعد أن نزلت عليه { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [ النصر : 1 ] ، إلا يقول : " سُبحانك ربنا وبحمدِك اللَّهم اغفر لِي " ، وقالت : يتأول القرآن . وقالت أم سلمة : " إنه كان يقولها في قيامه وقعوده ، ومجيئه وذهابه ، صلى الله عليه وسلم " فيكون سبح اسم ربك : أي اذكر ربك . وهذا ما دلت عليه الآية الأخرى في هذه السورة نفسها في قوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } [ الأعلى : 14 - 15 ] فصرّح بذكر اسم ربك ، كما جاء { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ } ، فوضع الذكر موضع التسبيح ، وهو ما أشرنا إليه . وبالله تعالى التوفيق .