Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 94, Ayat: 7-8)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

النصب : التعب بعد الاجتهاد ، كما في قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } [ الغاشية : 2 - 3 ] . وقد يكون النصب للدنيا أو للآخرة ، ولم يبين المراد بالنصب في أي شيء ، فاختلف فيه ، ولكنها أقوال متقاربة . فقيل : في الدعاء بعد الفراغ من الصلاة . وقيل : في النافلة من الفريضة ، والذي يشهد له القرآن ، أنه توجيه عام للأخذ بحظ الآخرة بعد الفراغ من عمل الدنيا ، كما في مثل قوله تعالى : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [ الإسراء : 79 ] ، وقوله : { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } [ المزمل : 6 ] أي لأنها وقت الفراغ من عمل النهار وفي سكون الليل : وقوله : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا } [ النصر : 1 - 3 ] ، فيكون وقته كله مشغولاً ، إما للدنيا وإما للدين . وفي قوله : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } ، حل لمشكلة الفراغ التي شغلت العالم حيث لم تترك للمسلم فراغاً في وقته ، لأنه إما في عمل للدنيا ، وإما في عمل للآخرة . وقد روي عن ابن عباس : " أنه مر على رجلين يتصارعان فقال لهما : ما بهذا أُمرنا بعد فراغنا " . وروي عن عمر أنه قال : " إني لأكره لأحدكم أن يكون خالياً سبهللا ، لا في عمل دنيا ولا دين " ولهذا لم يَشْكُ الصدر الأول فراغاً في الوقت . ومما يشير إلى وضع الصدر الأول ، ما رواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : قلت لعائشة رضي الله عنها - وأنا يومئذٍ حديث السن - : " أرأيت قول الله تعالى : { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } [ البقرة : 158 ] ، فما على الرجل شيء ألا يطوف بهما ؟ فقالت عائشة : كلا لو كان كما تقول لكانت ، فلا جناح عليه الا يطوف بهما " . فانظر رحمك الله وإياي ، فيم يفكر حديث السن ، وكيف يستشكل معاني القرآن ، فمثله لا يوجد عنده فراغ . تنبيه ذكر الألوسي في قوله تعالى : { فَٱنصَبْ } قراءة شاذة بكسر الصاد ، وأخذها الشيعة على الفراغ من النبوة ، ونصب علي إماماً ، وقال : ليس الأمر متعيناً بعلي فالسُّني يمكن أن يقول : فانصب أبا بكر ، فإن احتج الشيعي بما كان في غدير حم ، احتج السني بأن وقته لم يكن وقت الفراغ من النبوة . بلى إن قوله صلى الله عليه وسلم : " مُروا أبا بكر فليصلّ بالناس " كان بعده ، وفي قرب فراغه صلى الله عليه وسلم من النبوة ، إذا كان في مرضه الذي مات فيه . فإن احتج الشيعي بالفراغ من حجة الوداع ، رده السني بأن الآية قبل ذلك . انتهى . وعلى كل إذا كان الشيعة يحتجون بها ، فيكفي ارد احتجاجهم أنها شاذة ، وتتبع الشواذ قريب من التأويل المسمى باللعب عند علماء التفسير ، وهو صرف اللفظ عن ظاهره ، لا لقرينة صارفة ولا علاقة رابطة . ومن اللعب في التأويل في هذه الآية ، كا يفعله بعض العوام : رأيت رجلاً عامياً عادياً ، قد لبس حلة كاملة من عمامة وثوب صقيل وحزام جميل مما يسمونه نصبة ، أي بدلة كاملة ، فقال له رجل : قد لبس حلة كاملة من عمامة وثوب صقيل وحزام جميل مما يسمونه نصبة ، أي بدلة كاملة ، فقال له رجل : ما هذه النصبة يا فلان ؟ فقال له : لما فرغت من عملي نصبت ، كما قال تعالى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } . كما سمعت آخر يتوجع لقلة ما في يده ، ويقول لزميله : ألا تعرف لي شخصاً انصب عليه ، أي آخذ قرضة منه ، فقلت له : ولم تنصب عليه ؟ والنصب كذب وحرام . فقال : إذا لم يكن عند الإنسان شيء ، ويده خالية فلا بأس ، لأن الله قال : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } ، وهذا وأمثاله مما يتجرأ عليه العامة لجهلهم ، أو أصحاب الأهواء لنحلهم . قوله تعالى { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } . التقديم هنا مشعر بالتخصيص وهو كقوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } [ الفاتحة : 5 ] ، أي لا نعبد غيرك : وهكذا هنا لا ترغب إلى غيره سبحانه ، كأنه يقول : الذي أنعم عليك بكل ما تقدم ، هو الذي ترغب فيما عنده لا سواه .