Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 95, Ayat: 4-4)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا هو المقسم عليه ، والتقويم التعديل كما في قوله : { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً } [ الكهف : 1 - 2 ] ، وأحسن تقويم شامل لخلق الإنسان حساً ومعنى أي شكلاً وصورة وإنسانية ، وكلها من آيات القدرة ودلالة البعث . وروى عن علي رضي الله عنه : @ دواؤك منك ولا تشعر وداؤك منك ولا تبصر ونزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الكبير @@ وقد بين تعالى خلقه ابتداء من نطفة فعلقة إلى آخره في أكثر من موضع ، كما في قوله : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } [ القيامة : 37 - 40 ] . وكذلك في هذه السورة التنبيه على البعث بقوله : { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } [ التين : 7 ] . أما الجانب المعنوي فهو الجانب الإنساني ، وهو المتقدم في قوله : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } [ الشمس : 7 ] ، على ما قدمنا هناك ، من أن النفس البشرية هي مناط التكليف ، وهو الجانب الذي به كان الإنسان إنساناً ، وبهما كان خلقه في أحسن تقويم ، ونال بذلك أعلى درجات التكريم : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } [ الإسراء : 70 ] . والإنسان وإن كان لفظاً مفرداً إلاَّ أنه للجنس بدلالة قوله : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ التين : 5 - 6 ] ، وهذا مثل ما في سورة { وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ العصر : 1 - 3 ] ، فباستثناء الجمع منه ، علم أن المراد به الجنس . والتأكيد بالقسم المتقدم على خلق الإنسان في أحسن تقويم ، يشعر أن المخاطب منكر لذلك ، مع أن هذا أمر ملموس محسوس ، لا ينكره إنسان . وقد أجاب الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب على ذلك : بأن غير المنكر إذا ظهرت عليه علامات الإنكار ، عوامل معاملة المنكر ، كقول الشاعر : @ جاء شقيق عارضاً رمحه وإن بني عمك فيهم رماح @@ وإمارات الإنكار على المخاطبين ، إنما هي عدم إيمانهم بالبعث ، لأن العاقل لو تأمل خلق الإنسان ، لعرف منه أن القادر على خلقه في هذه السورة ، قادر على بعثه . وهذه المسألة أفردها الشيخ في سورة الجاثية بتنبيه على قوله تعالى : { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ الجاثية : 4 ] ، وتكرر هذا البحث في عدة مواضع ، وأصرح دلالة على هذا المعنى ما جاء في آخر يس { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [ يس : 78 - 79 ] .