Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 95, Ayat: 6-6)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي غير مقطوع أو غير ممنون به عليهم . وعلى الأول : فالأجر هو الثواب ، إما بدوام أعمالهم لكمال عقولهم ، وإما بأن الله يأمر الملائكة أن تكتب لهم من الأجر ما كانوا يعملونه في حال فوتهم من صيام وقيام ، وتصدق من كسبهم ونحو ذلك ، للأحاديث في حق المريض والمسافر ، فيظل ثواب أعمالهم مستمراً عليهم غير مقطوع . وعلى الثاني : فيكون الجر هو النعيم في الجنة يعطونه ولا يمنّ به عليهم ، ولا يقطع عنهم كما قال تعالى : { أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } [ الرعد : 35 ] . تنبيه وهنا وجهة نظر من وجهين : وجه خاص وآخر عام . أما الخاص : فإن كلمة رددناه ، فالرد يشعر إلى رد لأمر سابق ، والأمر السابق هو خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وأحسن تقويم شامل لشكله ومعناه ، أي جسمه وإنسانيته ، فرده إلى أسفل سافلين ، يكون بعدم الإيمان كالحيوان بل هو في تلك الحالة أسفل دركاً من الحيوان ، وأشرس من الوحش ، فلا إيمان يحكمه ولا إنسانية تهذبه ، فيكون طاغية جباراً يعيث في الأرض فساداً ، وعليه يكون الاستثناء ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فبإيمانهم وعملهم الصالحات يترفعون عن السفالة ، ويرتفعون إلى الأعلى فلهم أجر غير ممنون . والوجهة العامة وهي الشاملة لموضوع السورة من أولها ابتداء من التين والزيتون وما معه في القسم إلى { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ التين : 4 - 6 ] الآية . فإنه إن صح ما جاء في قصة آدم في قوله : { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } [ طه : 121 ] . روى المفسرون أن آدم لما بدت له سوأته ذهب إلى أشجار الجنة ليأخذ من الورق ليستر نفسه ، وكلما جاء شجرة زجرته ولم تعطه ، حتى مرّ بشجرة التين فأعطته ، فأخلفها الله الثمرة مرتين في السنة ، وكافأها بجعل ثمرتها باطنها كظاهرها لا قشر لها ولا عجم . وقد روى الشوكاني في أنها شجرة التين التي أخذ منها الورق . فقال : وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : " لما أسكن الله آدم الجنة كساه سربالاً من الظفر ، فلما أصاب الخطيئة سلبه السربال فبقي في أطراف أصابعه " . قال : وأخرج الفريابي وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس قال : " كان لباس آدم وحواء كالظفر - وذكر الأثر - وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة " قال : ينزعان ورق التين ، فيجعلانه على سوأتهما . وبهذا النقل يكون ذكر التين هنا مع خلق الإنسان في أحسن تقويم ، ثم رده أسفل سافلين إلاَّ الذين آمنوا سر لطيف جداً ، وهو إشعار الإنسان الآن ، أن جنس الإنسان كله بالإنسان الأول أبي البشر ، وقد خلقه الله في أحسن حالة حساً ومعنى ، حتى رفعه إلى منزلة إسجاد الملائكة وله وسكناه الجنة ، فهي أعلى منزلة التكريم ، وله فيها أنه لا يجوع ولا يعرى ولا يظمأ فيها ولا يضحى ، وظل كذلك على ذلك إلى أن أغواه الشيطان ونسي عهد ربه إليه ، ووقع فيه وكان له ما كان ، فدلاهما بغرور وانتقلا من أعلى عليين إلى أسفل سافلين ، فنزل إلى الأرض يحرث ويزرع ويحصد ويطحن ويعجن ويخبز ، حتى يجد لقمة العيش ، فهذا خلق الإنسان في أحسن تقويم ورده أسفل سافلين . وهذا شأن أهل الأرض جميعاً ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فلهم أجر غير ممنون ، برجوعهم إلى الجنة كما رجع إليها آدم بالتوبة ، فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، ثم اجتباه ربه ، فتاب عليه وهدى . وإن في ذكر البلد الأمين لترشيح لهذا المعنى ، لأن الله جعل الحرم لأهل مكة أمناً كصورة الآمن في الجنة ، فإن امتثلوا وأطاعوا نعموا بهذا الأمن ، وإن تمردوا وعصوا ، فيخرجون منها ويحرمون أمنها . وهكذا تكون السورة ربطاً بين الماضي والحاضر ، وانطلاقاً من الحاضر إلى المستقبل ، فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين . فيما فعل بآدم وفيما يفعل بأولئك ، حيث أنعم عليهم بالأمن والعيش الرغد ، وإرسالك إليهم وفيما يفعل لمن آمن أو بمن يكفر ، اللَّهم بلى .