Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 15-16)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب : أسند الكذب إلى الناصية ، وفي مواضع أخرى أسنده إلى غير الناصية ، كقوله : { إِنَّمَا يَفْتَرِي ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } [ النحل : 105 ] . وذكر الجواب بأنه أطلق الناصية وأراد صاحبها على أسلوب لإطلاق البعض وإيراد الكل ، وذكر الشواهد عليه من القرآن كقوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [ المسد : 1 ] . والذي ينبغي التنبيه عليه من جهة البلاغة : أن البعض الذي يطلق ويراد به الكل ، لا بد في هذا البعض من مزيد مزية للمعنى المساق فيه الكلام . فمثلاً هنا ذم الكذب وأخذ الكاذب بكذبه ، فجاء ذكر الناصية وهي مقدم شعر الرأس ، لأنها أشد نكارة على صاحبها ونكالاً به ، إذ الصدق يرفع الرأس والكذب ينكسه ذلة وخزياً . فكانت هي هنا أنسب من اليد أو غيرها ، بينما في أبي لهب تطاول بماله ، والغرض مذمة ماله وكسبه الذي تطاول به ، واليد هي جارحة الكسب ، وآلة التصرف في المال ، فكانت اليد أولى فيه من الناصية . وهكذا كما يقولون : بث الأمير عيونه : يريدون جواسيس له ، لأن العين من الإنسان أهم ما فيه لمهمته تلك . ولم يقولوا : بث أرجله ولا رؤوساً ولا أيد ، لأنها كلها ليست كالعين في ذلك . ومن هذا القبيل { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } [ النازعات : 8 ] ، { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } [ الفجر : 27 ] . لأن القلب هو مصدر الخوف والنفس هي محط الطمأنينة ، على أن النفس جزء من الإنسان ، وهكذا ، ومنه الآتي { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } [ العلق : 19 ] ، أطلق السجود وأراد الصلاة ، لأن السجود أخص صفاتها .