Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 104-109)

Tafsir: al-Mīzān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بيان الآيات ، ختام السورة تفرغ المحصل من بياناتها فتشير إجمالاً إلى التوحيد والمعاد والنبوة ، وتأمر باتباع القرآن والصبر في انتظار حكم الله بينه وبين أُمته . قوله تعالى { قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني } الخ ، قد تقدم غير مرة أن الدين هو السنَّة المعمول بها في الحياة لنيل سعادتها وفيه معنى الطاعة كما في قوله تعالى { وأخلصوا دينهم لله } النساء 146 وربما استعمل بمعنى الجزاء . وقوله { إن كنتم في شك من ديني } أي في طريقتي التي أسلكها وأثبت عليها وشك الإِنسان في دين غيره وطريقته المعمولة له إنما يكون في ثباته عليه هل يستقر عليه ويستقيم ؟ وقد كان المشركون يطمعون في دينه صلى الله عليه وآله وسلم وربما رجوا أن يحولوه عنه فينجوا من دعوته إلى التوحيد ورفض الشرك بالآلهة . فالمعنى إن كنتم تشكون فيما أدين به وأدعو إليه هل أستقيم عليه ؟ أو شككتم في ديني ما هو ؟ ولم تحصّلوا الأصل الذي يبتني عليه فإني أُصرح لكم القول فيه وأُبينه لكم وهو أني لا أعبد آلهتكم وأ عبد الله وحده . وقد أُخذ في قوله { ولكن أعبد الله الذي يتوفّاكم } له تعالى وصف توفّيهم دون غيره من أوصافه تعالى لأنهم إنما كانوا يعبدون الإِله لزعمهم الحاجة إليه في دفع الضرر وجلب النفع ، والتوفي أمر لا يشكون أنه سيصيبهم وأنه لله وحده فمساس الحاجة إلى الأمن من ضرره يوجب عبادة الله سبحانه . على أن اختيار التوفي للذكر ليكون في الكلام تلويح إلى تهديدهم فإن الآيات السابقة وعدتهم العذاب وعداً قطعياً ، ووفاة المشركين ميعاد عذابهم ، ويؤيد ذلك إتباع قوله { ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم } بقوله { أُمرت أن أكون من المؤمنين } فإن نجاتهم من العذاب جزء الوعد الذي ذكره الله في الآيتين السابقتين على هذه الآية { فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبل } إلى قوله { ننج المؤمنين } . والمعنى فاعلموا واستيقنوا أني لا أعبد آلهتكم ولكن أعبد الله الذي وعد عذاب المكذبين منكم وإنجاء المؤمنين وأمرني أن أكون منهم كما أمرني أن أجتنب عبادة الآلهة . قوله تعالى { وأن أقم وجهك للدين حنيفاً } عطف على موضع قوله { وأُمرت أن } الخ ، فإنه في معنى وكن من المؤمنين ، وقد مر الكلام في معنى إقامة الوجه للدين الحنيف غير مرة . قوله تعالى { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك } نهي بعد نهي عن الشرك ، وبيان أن الشرك يدخل الإِنسان في زمرة الظالمين فيحق عليه ما أوعد الله به الظالمين في كلامه . ومن لطيف التعبير قوله حين ذكر الدعاء { ما لا ينفعك ولا يضرك } وحين ذكر العبادة { الذين تعبدون من دون الله } فإن العبادة بالطبع تعطي للمعبود شعوراً وعقلاً فناسب أن يعبر عنه بنحو { الذين } المستعمل في ذوي العلم والعقل ، والدعاء وإن كان كذلك لمساوقته العبادة غير أنه لما وصف المدعو بما لا ينفع ولا يضر ، وربما توهم أن ذوي العلم والعقل يصح أن تنفع وتضر ، عبّر بلفظة { ما } ليلوّح إلى أنها جماد لا يتخيل في حقهم إرادة نفع أو ضرر . وفي التعبير نفسه أعني قوله { ما لا ينفعك ولا يضرك } إعطاء الحجة على النهي عن الدعاء . قوله تعالى { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو } الخ ، الجملة حالية وهي تتمة البيان في الآية السابقة ، والمعنى ولا تدع من دون الله ما لا نفع لك عنده ولا ضرر ، والحال أن ما مسّك الله به من ضر لا يكشفه غيره وما أرادك به من خير لا يرده غيره فهو القاهر دون غيره يصيب بالخير عباده بمشيئته وإرادته ، وهو مع ذلك غفور رحيم يغفر ذنوب عباده ويرحمهم ، واتصافه بهذه الصفات الكريمة وكون غيره صفر الكف منها يقتضي تخصيص العبادة والدعوة به . قوله تعالى { قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم } وهو القرآن أو ما يشتمل عليه من الدعوة الحقة ، وقوله { فمن اهتدى } إلى آخر الآية ، إعلام لهم بكونهم مختارين فيما ينتخبونه لأنفسهم من غير أن يسلبوا الخيرة ببيان حقيقة هي أن الحق - وقد جاءهم - من حكمه أن من اهتدى إليه فإنما يهتدي ونفعه عائد إليه ، ومن ضل عنه فإنما يضل وضرره على نفسه فلهم أن يختاروا لأنفسهم ما يحبونه من نفع أو ضرر ، وليس هو صلى الله عليه وآله وسلم وكيلاً لهم يتصدى من الفعل ما هو لهم فالآية كناية عن وجوب اهتدائهم إلى الحق لأن فيه نفعهم . قوله تعالى { واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين } أمر باتباع ما يوحى إليه والصبر على ما يصيبه في جنب هذا الاتباع من المصائب والمحن ، ووعد بأن الله سبحانه سيحكم بينه وبين القوم ، ولا يحكم إلا بما فيه قرة عينه فالآية تشتمل على أمره بالاستقامة في الدعوة وتسليته فيما يصيبه ، ووعده بأن العاقبة الحسنى له . وقد اختتمت الآية بحكمه تعالى ، وهو الذي عليه يعتمد معظم آيات السورة في بيانها . والله أعلم .