Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 116-117)

Tafsir: al-Mīzān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بيان قوله تعالى { وقالوا اتخذ الله ولداً } يعطي السياق أن المراد بالقائلين بهذه المقالة هم اليهود والنصارى إذ قالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ، فإن وجه الكلام مع أهل الكتاب ، وإنما قال أهل الكتاب هذه الكلمة أعني قولهم { اتخذ الله ولداً } أول ما قالوها تشريفاً لأنبيائهم كما قالوا نحن أبناء الله وأحبائه ثم تلبست بلباس الجد والحقيقة فرد الله سبحانه عليهم في هاتين الآيتين فأضرب عن قولهم بقوله { بل له ما في السماوات } الخ ، ويشتمل على برهانين ينفي كل منهما الولادة وتحقق الولد منه سبحانه ، فإن اتخاذ الولد هو أن يجزي موجود طبيعي بعض أجزاء وجوده ، ويفصله عن نفسه فيصيّره بتربية تدريجية فرداً من نوعه مماثلاً لنفسه ، وهو سبحانه منزه عن المثل ، بل كل شيء مما في السماوات والأرض مملوك له ، قائم الذات به ، قانت ذليل عنده ذلة وجودية ، فكيف يكون شيء من الأشياء ولداً له مماثلاً نوعياً بالنسبه إليه ؟ وهو سبحانه بديع السماوات والأرض ، إنما يخلق ما يخلق على غير مثال سابق ، فلا يشبه شيء من خلقه خلقاً سابقاً ، ولا يشبه فعله فعل غيره في التقليد والتشبيه ولا في التدريج ، والتوصل بالأسباب ، { إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } من غير مثال سابق ولا تدريج ، فكيف يمكن أن ينسب إليه اتخاذ الولد ؟ وتحققه يحتاج إلى تربية وتدريج ، فقوله { له ما في السماوات والأرض كل له قانتون } برهان تام ، وقوله { بديع السماوات والأرض إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } برهان آخر تام ، هذا . ويستفاد من الآيتين أولاً شمول حكم العبادة لجميع المخلوقات مما في السماوات والأرض . وثانياً أن فعله تعالى غير تدريجي ، ويستدرج من هنا ، أن كل موجود تدريجي فله وجه غير تدريجي ، به يصدر عنه تعالى كما قال تعالى { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } يس 82 ، وقال تعالى { وما أمرنا إلاَّ واحدة كلمح بالبصر } القمر 50 ، وتفصيل القول في هذه الحقيقة القرآنية ، سيأتي إن شاء الله في ذيل قوله { إنما أمره إذا أراد شيئاً } يس 82 ، فانتظر . قوله تعالى { سبحانه } مصدر بمعنى التسبيح وهو لا يستعمل إلاَّ مضافاً وهو مفعول مطلق لفعل محذوف أي سبحته تسبيحاً ، فحذف الفعل وأضيف المصدر إلى الضمير المفعول وأقيم مقامه ، وفي الكلمة تأديب إلهي بالتنزيه فيما يذكر فيه ما لا يليق بساحة قدسة تعالى وتقدس . قوله تعالى { كل له قانتون } ، القنوت العبادة والتذلل . قوله تعالى { بديع السماوات } ، بداعة الشيء كونه لا يماثل غيره مما يعرف ويؤنس به . قوله تعالى { فيكون } ، تفريع على قول { كن } وليس في مورد الجزاء حتى يجزم . بحث روائي في الكافي والبصائر ، عن سدير الصيرفي ، قال سمعت عمران بن أعين يسأل أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى { بديع السماوات والأرض } ، فقال أبو جعفر عليه السلام إن الله عزّ وجل ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله ، فابتدع السماوات والأرضين ولم يكن قبلهن سماوات ولا أرضون أما تسمع لقوله { وكان عرشه على الماء } هود 7 . أقول وفي الرواية استفادة أُخرى لطيفة ، وهي أن المراد بالماء في قوله تعالى { وكان عرشه على الماء } غير المصداق الذي عندنا من الماء بدليل أن الخلقة مستوية على البداعة وكانت السلطنة الإِلهية قبل خلق هذه السماوات والأرض مستقرة مستوية على الماء فهو غير الماء ، وسيجيء تتمة الكلام في قوله تعالى { وكان عرشه على الماء } . بحث علمي وفلسفي دلّت التجارب على افتراق كل موجودين في الشخصيات وإن كانت متحدة في الكليات حتى الموجودان اللذان لا يميز الحس جهة الفرقة بينهما ، فالحس المسلح يدرك ذلك منهما ، والبرهان الفلسفي أيضاً يوجب ذلك ، فإن المفروضين من الموجودين لو لم يتميز أحدهما عن الآخر بشيء خارج عن ذاته ، كان سبب الكثرة المفروضة غير خارج من ذاتهما فيكون الذات صرفة غير مخلوطة ، وصرف الشيء لا يتثنى ولا يتكرر ، فكان ما هو المفروض كثيراً واحداً غير كثير هف . فكل موجود مغاير الذات لموجود آخر ، فكل موجود فهو بديع الوجود على غير مثال سابق ولا معهود ، والله سبحانه هو المبتدع بديع السماوات والأرض .