Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 120-123)
Tafsir: al-Mīzān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بيان قوله تعالى { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى } ، رجوع إلى الطائفتين بعد الالتفات إلى غيرهم ، وهو بمنزلة جمع أطراف الكلام على تفرقها وتشتتها ، فكأنه بعد هذه الخطابات والتوبيخات لهم يرجع إلى رسوله ويقول له هؤلاء ليسوا براضين عنك ، حتى تتبع ملتهم التي ابتدعوها بأهوائهم ونظموها بآرائهم ، ثم أمره بالرد عليهم بقوله { قل إن هدى الله هو الهدى } أي أن الاتباع إنما هو لغرض الهدى ولا هدى إلاَّ هدى الله والحق الذي يجب أن يتبع وغيره - وهو ملتكم - ليس بالهدى ، فهي أهواءكم ألبستموها لباس الدين وسميتموها باسم الملة ، ففي قوله { قل إن هدى الله } إلخ ، جعل الهدى كناية عن القرآن النازل ، ثم أُضيف إلى الله فأفاد صحة الحصر في قوله { إن هدى الله هو الهدى } على طريق قصر القلب ، وأفاد ذلك خلو ملتهم عن الهدى ، وأفاد ذلك كونها أهواءً لهم ، واستلزم ذلك كون ما عند النبي علماً ، وكون ما عندهم جهلاً ، واتّسع المكان لتعقيب الكلام بقوله { ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير } ، فانظر إلى ما في هذا الكلام من أصول البرهان العريقة ، ووجوه البلاغة على إيجازه ، وسلاسة البيان وصفائه . قوله تعالى { الذين آتيناهم الكتاب } يمكن أن تكون الجملة بقرينة الحصر المفهوم من قوله { أُولئك يؤمنون به } جواباً للسؤال المقدر الذي يسوق الذهن إليه قوله تعالى { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى } إلخ ، وهو أنهم إذا لم يكن مطمع في إيمانهم ، فمن ذا الذي يؤمن منهم ؟ وهل توجيه الدعوة إليهم باطل لغو ؟ فأجيب بأن الذين آتيناهم الكتاب والحال أنهم يتلونه حق تلاوته ، أُولئك يؤمنون بكتابهم فيؤمنون بك ، أو أن أُولئك يؤمنون بالكتاب ، كتاب الله المنزل أياً ما كان أو أن أُولئك يؤمنون بالكتاب الذي هو القرآن . وعلى هذا فالقصر في قوله { أُولئك يؤمنون به } قصر افراد والضمير في قوله به على بعض التقادير لا يخلو عن استخدام . والمراد بالذين أوتوا الكتاب قوم من اليهود والنصارى ليسوا متبعين للهوى من أهل الحق منهم ، وبالكتاب التوراة والإِنجيل ، وإن كان المراد بهم المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالكتاب القرآن ، فالمعنى أن الذين آتيناهم القرآن ، وهم يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون بالقرآن ، لا هؤلاء المتبعون لأهوائهم ، فالقصر حينئذ قصرٍ قلب . قوله تعالى { يا بني إسرائيل اذكروا } ، إلى آخر الآيتين إرجاع ختم الكلام إلى بدئه ، وآخره إلى أوله ، وعنده يختتم شطر من خطابات بني إسرائيل . بحث روائي في إرشاد الديلمي عن الصادق عليه السلام في قوله { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته } ، قال يرتلون آياته ويتفقهون به ويعملون بأحكامه ، ويرجون وعده ، ويخافون وعيده ، ويعتبرون بقصصه ، ويأتمرون بأوامره ، وينتهون بنواهيه ، ما هو والله حفظ آياته ، ودرس حروفه ، وتلاوة سوره ، ودرس أعشاره وأخماسه ، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده ، وإنما هو تدبر آياته والعمل بأحكامه ، قال الله تعالى { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبّروا آياته } . وفي تفسير العياشي عن الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ { يتلونه حق تلاوته } ، قال عليه السلام الوقوف عند الجنة والنار . أقول والمراد به التدبر . وفي الكافي عنه عليه السلام في الآية قال عليه السلام هم الأئمة . أقول وهو من باب الجري والانطباق على المصداق الكامل .