Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 214-214)

Tafsir: al-Mīzān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بيان قد مر أن هذه الآيات آخذة من قوله تعالى { يا أيها آمنوا ادخلوا في السلم كافة } إلى آخر هذه الآية ، ذات سياق واحد يربط بعضها ببعض . قوله تعالى { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } ، تثبيت لما تدل عليه الآيات السابقة ، وهو أن الدين نوع هداية من الله سبحانه للناس إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة ، ونعمة حباهم الله بها ، فمن الواجب أن يسلموا له ولا يتبعوا خطوات الشيطان ، ولا يلقوا فيه الاختلاف ، ولا يجعلوا الدواء داءً ، ولا يبدلوا نعمة الله سبحانه كفراً ونقمة من اتباع الهوى ، وابتغاء زخرف الدنيا وحطامها فيحل عليهم غضب من ربهم كما حل ببني إسرائيل حيث بدلوا نعمة الله من بعد ما جاءتهم ، فإن المحنة دائمة ، والفتنة قائمة ، ولن ينال أحد من الناس سعادة الدين وقرب رب العالمين إلا بالثبات والتسليم . وفي الآية التفات إلى خطاب المؤمنين بعد تنزيلهم في الآيات السابقة منزلة الغيبة ، فإن أصل الخطاب كان معهم ووجه الكلام إليهم في قوله { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافه } ، وإنما عدل عن ذلك إلى غيره لعناية كلامية أوجبت ذلك ، وبعد انقضاء الوطر عاد إلى خطابهم ثانياً … وكلمة أم منقطعة تفيد الإِضراب ، والمعنى على ما قيل بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة " إلخ " ، والخلاف في أم المنقطعة معروف ، والحق أن أم لإفاده الترديد ، وأن الدلالة على معنى الإضراب من حيث انطباق معنى الإضراب على المورد ، لا أنها دلالة وضعية ، فالمعنى في المورد مثلاً هل انقطعتم بما أمرناكم من التسليم بعد الإيمان والثبات على نعمة الدين ، والاتفاق والاتحاد فيه أم لا بل حسبتم أن تدخلوا الجنة " إلخ " . قوله تعالى { ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم } ، " المثل " بكسر الميم فسكون الثاء ، والمثل بفتح الميم والثاء كالشبه والشبه ، والمراد به ما يمثل الشيء ويحضره ويشخصه عند السامع ، ومنه المثل بفتحتين ، وهو الجملة أو القصة التي تفيد استحضار معنى مطلوب في ذهن السامع بنحو الاستعارة التمثيلية كما قال تعالى { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً } الجمعة 5 ، ومنه أيضاً المثل بمعنى الصفة كقوله تعالى { انظر كيف ضربوا لك الأمثال } الفرقان 9 ، وإنما قالوا له صلى الله عليه وآله وسلم مجنون وساحر وكذاب ونحو ذلك ، وحيث انه تعالى يبين المثل الذي ذكره بقوله { مستهم البأساء والضراء } " إلخ " ، فالمراد به المعنى الأول . قوله تعالى { مستهم البأساء والضراء } ، إلى آخره لما اشتد شوق المخاطب ليفهم تفصيل الإجمال الذي دل عليه بقوله { ولما يأتكم مثل الذين } ، بيَّن ذلك بقوله { مستهم البأساء والضراء } والبأساء هو الشدة المتوجهة إلى الانسان في خارج نفسه كالمال والجاه والأهل والأمن الذي يحتاج إليه في حياته ، والضراء هي الشدة التي تصيب الإِنسان في نفسه كالجرح والقتل والمرض ، والزلزلة والزلزال معروف وأصله من زل بمعنى عثر ، كررت اللفظة للدلالة على التكرار كأن الأرض مثلاً تحدث لها بالزلزلة عثرة بعد عثرة ، وهو كصر وصرصر ، وصل وصلصل ، وكب وكبكب ، والزلزال في الآية كناية عن الاضطراب والادهاش . قوله تعالى { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه } ، قرئ بنصب يقول ، والجملة على هذا في محل الغاية لما سبقها ، وقرىء برفع يقول والجملة على هذا لحكاية الحال الماضية ، والمعنيان وإن كانا جميعاً صحيحين لكن الثاني أنسب للسياق ، فإن كون الجملة غاية يعلل بها قوله وزلزلوا لا يناسب السياق كل المناسبة . قوله تعالى { متى نصر الله } ، الظاهر أنه مقول قول الرسول والذين آمنوا معه جميعاً ، ولا ضير في أن يتفوه الرسول بمثل هذا الكلام استدعاءً وطلباً للنصر الذي وعد به الله سبحانه رسله والمؤمنين بهم كما قال تعالى { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون } الصافات 171 - 172 ، وقال تعالى { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } المجادلة 21 ، وقد قال تعالى أيضاً { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا } يوسف 110 ، وهو أشد لحناً من هذه الآية . والظاهر أيضاً أن قوله تعالى { ألا إن نصر الله قريب } مقول له تعالى لا تتمة لقول الرسول والذين آمنوا معه … والآية كما مرت إليه الإشارة سابقاً تدل على دوام أمر الابتلاء والامتحان وجريانه في هذه الأمة كما جرى في الأمم السابقة . وتدل أيضاً على اتحاد الوصف والمثل بتكرار الحوادث الماضية غابراً ، وهو الذي يسمى بتكرر التاريخ وَعَودِهِ .