Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 148-149)

Tafsir: al-Mīzān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بيان قوله تعالى { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } ، قال الراغب في مادة " جهر " يقال لظهور الشيء بإفراط لحاسة البصر أو حاسَّة السمع ، أما البصر فنحو رأيته جهاراً ، قال الله تعالى { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } { أرنا الله جهرة } - إلى أن قال - وأما السمع فمنه قوله تعالى { سواء منكم من أسرَّ القول ومن جهر به } . والسوء من القول كل كلام يسوء من قيل فيه كالدعاء عليه ، وشتمه بما فيه من المساوئ والعيوب وبما ليس فيه ، فكل ذلك لا يحب الله الجهر به وإظهاره ، ومن المعلوم أنه تعالى منزّه من الحب والبغض على حد ما يوجد فينا معشر الإنسان وما يجانسنا من الحيوان ، إلا أنه لما كان الأمر والنهي عندنا بحسب الطبع صادرين عن حب وبغض كنِّي بهما عن الإرادة والكراهة وعن الأمر والنهي . فقوله { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول } كناية عن الكراهة التشريعية أعم من التحريم والإعانة . وقوله { إلا من ظلم } استثناء منقطع أي لكن من ظلم لا بأس بأن يجهر بالسوء من القول فيمن ظلمه من حيث ظلم ، وهذه هي القرينة على أنه إنما يجوز له الجهر بالسوء من القول يبين فيه ما ظلمه ، ويظهر مساوئه التي فيه مما ظلمه به ، وأما التعدّي إلى غيره مما ليس فيه ، أو ما لا يرتبط بظلمه فلا دليل على جواز الجهر به من الآية . والمفسرون وإن اختلفوا في تفسير السوء من القول فمن قائل أنه الدعاء عليه ، ومن قائل أنه ذكر ظلمه وما تعدى به عليه وغير ذلك إلا أن الجميع مشمول لإطلاق الآية ، فلا موجب لتخصيص الكلام ببعضها . وقوله { وكان الله سميعاً عليماً } في مقام التأكيد للنهي المستفاد من قوله { لا يحب الله الجهر } ، أي لا ينبغي الجهر بالسوء من القول من غير المظلوم فإن الله سميع يسمع القول عليم يعلم به . قوله تعالى { إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً } الآية لا تخلو عن ارتباط بما قبلها فإنها تشمل إظهار الخير من القول شكراً لنعمة أنعمها منعم على الإنسان ، وتشمل العفو عن السوء والظلم فلا يجهر على الظالم بالسوء من القول . فإبداء الخير إظهاره سواء كان فعلاً كإظهار الإنفاق على مستحقه وكذا كل معروف لما فيه من إعلاء كلمة الدين وتشويق الناس إلى المعروف ، أو كان قولاً كإظهار الشكر على المنعم وذكره بجميل القول لما فيه من حسن التقدير وتشويق أهل النعمة . وإخفاء الخير منصرفه إخفاء فعل المعروف ليكون أبعد من الرئاء وأقرب إلى الخلوص كما قال { إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفّر عنكم من سيئاتكم } البقرة 271 . والعفو عن السوء هو الستر عليه قولاً بأن لا يذكر ظالمه بظلمه ، ولا يذهب بماء وجهه عند الناس ، ولا يجهر عليه بالسوء من القول ، وفعلاً بأن لا يواجهه بما يقابل ما أساء به ، ولا ينتقم عنه فيما يجوز له ذلك كما قال تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله } البقرة 194 . وقوله { فإن الله كان عفوّاً قديراً } سبب أُقيم مقام المسبِّب والتقدير إن تعفوا عن سوء فقد اتصفتم بصفة من صفات الله الكمالية - وهو العفو على قدرة - فإن الله ذو عفو على قدرته ، فالجزاء جزاء بالنسبة إلى بعض الشروط ، وأما إبداء الخير وإخفاؤه أي إيتاؤه على أي حال فهو أيضاً من صفاته تعالى بما أنه الله تعالى ، ويمكن أن يلوِّح إليه الكلام . بحث روائي في المجمع قال لا يحب الله الشتم في الانتصار إلا من ظلم فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلم مما يجوز الانتصار في الدين . قال وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام . وفي تفسير العياشي عن أبي الجارود عن أبي عبد الله عليه السلام قال الجهر بالسوء من القول أن يذكر الرجل بما فيه . وفي تفسير القمي وفي حديث آخر في تفسير هذا قال إن جاءك رجل وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل الصالح فلا تقبله منه وكذِّبه فقد ظلمك . وفي تفسير العياشي بإسناده عن الفضل بن أبي قرّة عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } قال من أضاف قوماً فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه . أقول ورواه في المجمع عنه عليه السلام مرسلاً ، وروي من طرق أهل السنة عن مجاهد . والروايات على أي حال دالة على التعميم كما استفدناه من الآية .