Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 106, Ayat: 1-4)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الإِيلاف مصدر آلفت الشئ إيلافا و " إلفا " إذا لزمته وتعودت عليه . وتقول آلفت فلانا الشئ ، إذا ألزمته إياه . والإِيلاف - أيضا - اجتماع الشمل مع الالتئام ، ومنه قوله - تعالى - { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً … } ولفظ " إيلاف " مضاف لمفعوله وهو قريش ، والفاعل هو الله - تعالى - و " قريش " هم ولد النضر بن كنانه - على الأرجح - وهو الجد الثالث عشر للنبى صلى الله عليه وسلم . قال القرطبى ما ملخصه وأما قريش فهم بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس ، بن مضر ، فكل من كان من ولد النضر فهو قرشى . وسموا قريشا ، لتجمعهم بعد التفرق ، إذ التقرش التجمع والالتئام … أو سموا بذلك لأنهم كانوا تجارا يأكلون من مكاسبهم ، والتقرش التكسب ، ويقال قرَشَ فلان يقرُشُ قَرْشا - كقتل - ، إذا كسب المال وجمعه … وقوله { إِيلاَفِهِمْ } بدل أو عطف بيان من قوله { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } ، وهو من أسلوب الإِجمال فالتفصيل للعناية بالخبر ، ليتمكن فى ذهن السامع كما فى قوله - تعالى - { لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ . أَسْبَابَ ٱلسَّمَاوَاتِ … } واللام فى قوله - تعالى - { لإِيلاَفِ … } للتعليل . والجار والمجرور متعلق بقوله - تعالى - { فَلْيَعْبُدُواْ … } . وتقدير الكلام من الواجب على أهل مكة أن يخلصوا العبادة لله - تعالى - لأنه - سبحانه - هو الذى جمعهم بعد تفرق ، وألف بينهم ، وهيأ لهم رحلتين فيهما ما فيهما من النفع والأمن . وزيدت الفاء فى قوله - تعالى - { فَلْيَعْبُدُواْ … } لما فى الكلام من معنى الشرط ، فكأنه - سبحانه - يقول لهم إن لم تعبدونى من أجل نعمى التى لا تحصى ، فاعبدونى من أجل أنى جعلتكم تألفون هاتين الرحلتين النافعتين فى أمان واطمئنان ، وأنى جمعت شملكم ، وألفت بينكم … قال صاحب الكشاف " لإِيلاف قريش " متعلق بقوله { فَلْيَعْبُدُواْ } أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحتلين . فإن قلت فلم دخلت الفاء ؟ قلت لما فى الكلام من معنى الشرط ، لأن المعنى إما لا فليعبدوه لإِيلافهم . على معنى أن نعم الله عليهم لا تحصى ، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه ، فليعبدوه لهذه الواحدة التى هى نعمة ظاهرة . وقيل المعنى اعجبوا لإِيلاف قريش . وقيل هو متعلق بما قبله - فى السورة السابقة - أى فجعلهم كعصف مأكول . لإِيلاف قريش ، وهذا بمنزلة التضمين فى الشعر ، وهو أن يتعلق معنى البيت بالذى قبله … وقوله - سبحانه - { رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } بيان لمظهر من مظاهر هذا الإِيلاف الذى منحه - سبحانه - لهم ، والرحلة هنا اسم لارتحال القوم من مكان إلى آخر ، ولفظ " رحلة " منصوب على أنه مفعول به لقوله { إِيلاَفِهِمْ } . . والمراد بهذه الرحلة ارتحالهم فى الشتاء إلى بلاد اليمن ، وفى الصيف إلى بلاد الشام ، من أجل التجارة ، واجتلاب الربح . واستدرار الرزق ، والاستكثار من القوت واللباس وما يشبههما من مطالب الحياة . وقيل المراد برحلة الشتاء والصيف رحلة الناس إليهم فى الشتاء والصيف للحج والعمرة ، فقد كان الناس يأتون إلى مكة فى الشتاء والصيف لهذه الاغراض ، فيجد أهل مكة من وراء ذلك الخير والنفع ، كما قال - تعالى - { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } وبعد أن ذكرهم - سبحانه - بنعمه أمرهم بشكره ، فقال { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ … } . أى إن كان الأمر كما ذكرنا لهم ، فليخلصوا العبادة لله - تعالى - الذى حمى لهم البيت الحرام ، والكعبة المشرفة ، ممن أرادهما بسوء … { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ } أى الذى وسع لهم الرزق ، ومهد لهم سبيله ، عن طريق الوفود التى تأتى إليهم من مشارق الأرض ومغاربها . { وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } أى والذى أوجد لهم الأمن بعد الخوف ، والسعة بعد الضيق ، ببركة هذا البيت الحرام . وتنكير " جوع " و " خوف " للتعظيم ، أى أطعمهم بدلا من جوع شديد ، وآمنهم بدلا من خوف عظيم ، كانوا معرضين لهما ، وذلك كله من فضله - سبحانه - عليهم ، ومن رحمته بهم ، حيث أتم عليهم نعمتين بهما تكمل السعادة ، ويجتمع السرور . ومن الآيات التى تشبه هذه الآية قوله - تعالى - { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ … } وقوله - سبحانه - { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً … } وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .