Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 107, Ayat: 1-7)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَرَأَيْتَ } للتعجيب من حال هذا الإِنسان الذى بلغ النهاية فى الجهالة والجحود … ولتشويق السامع ما سيذكر بعد هذا الاستفهام . والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ولكل من يصلح له . أى أخبرنى - أيها الرسول الكريم - أرأيت وعرفت أسوأ وأعجب من حال هذا الإِنسان الذى يكذب بيوم الدين ، أى بيوم البعث والجزاء والحساب وينكر ما جئت به من عند ربك من حق وهداية . مما لا شك فيه أن حال هذا الإِنسان من أعجب الأحوال ، وعاقبته من أسوأ العواقب ! … والرؤية فى قوله { أَرَأَيْتَ } يحتمل أن تكون بصرية ، فتتعدى لواحد هو الاسم الموصول ، كأنه - تعالى - قال أأبصرت أسوأ وأعجب من هذا المكذب بيوم الدين . ويحتمل أن تكون علمية ، فتتعدى لاثنين ، أولهما الاسم الموصول والثانى محذوف ، والتقدير أعرفت الذى يكذب بالدين من هو ؟ إننا نحن الذين نعرفك صفاته ، وهى { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } أى فذلك الذى يكذب بالبعث والحساب والجزاء ، من أبرز صفاته القبيحة . أنه " يدع اليتيم " أى يقسو عليه ، ويزجره زجرا عنيفا ، ويسد كل باب خير فى وجهه ، ويمنع كل حق له … فقوله { يَدُعُّ } من الدع وهو الدفع الشديد ، والتعنيف الشنيع للغير … { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } أى أن من صفاته الذميمة - أيضا - أنه لا يحث أهله وغيرهم من الأغنياء على بذل الطعام للبائس المسكين ، وذلك لشحه الشديد ، واستيلاء الشيطان عليه ، وانطماس بصيرته عن كل خير . وفى هذه الآية والتى قبلها دلالة واضحة على أن هذا الانسان المكذب الدين قد بلغ النهاية فى السوء والقبح ، فهو لقسوة قلبه لا يعطف على يتيم ، بل يحتقره ويمنع عنه كل خير ، وهو لخبث نفسه لا يفعل الخير ، ولا يحض غيره على فعله ، بل يحض على الشرور والآثام . ولما كانت هذه الصفات الذميمة ، لا تؤدى إلى إخلاص أو خشوع لله - تعالى - وإنما تؤدى إلى الرياء وعدم المبالاة بأداء التكاليف التى أوجبها - سبحانه - على خلقه … لما كان الأمر كذلك ، وصف - سبحانه - هؤلاء المكذبين بالبعث والجزاء بأوصاف أخرى ، فقال { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ . ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ . وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } . والفاء فى قوله { فَوَيْلٌ } للتفريع والتسبب ، والويل الدعاء بالهلاك والعذاب الشديد . وهو مبتدأ ، وقوله { لِّلْمُصَلِّينَ } خبره ، والمراد بالسهو هنا الغفلة والترك وعدم المبالاة … أى فهلاك شديد ، وعذاب عظيم ، لمن جمع هذه الصفات الثلاث ، بعد تكذيبه بيوم الدين ، وقسوته على اليتيم ، وامتناعه عن إطعام المسكين . وهذه الصفات الثلاث أولها الترك للصلاة ، وعدم المبالاة بها ، والإِخلال بشروطها وأركانها وسننها وآدابها . وثانيها أداؤها رياء وخداعا لا عن إخلاص وطاعة لله رب العالمين كما قال - تعالى - { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } وثالثها منع الماعون أى منع الخير والمعروف والبر عن الناس . فالمراد بمنع الماعون منع كل فضل وخير عن سواهم . فلفظ " الماعون " أصله " معونة " والألف عوض من الهاء . والعون هو مساعدة الغير على بلوغ حاجته … فالمراد بالماعون ما يستعان به على قضاء الحوائج ، من إناء أو فأس ، أو نار ، أو ما يشبه ذلك . ومنهم من يرى أن المراد بالماعون هنا الزكاة ، لأنه جرت عادة القرآن الكريم أن يذكر الزكاة بعد الصلاة . قال الإِمام ابن كثير قوله { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } أى لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه ، حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ، ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم ، فهؤلاء لمنع الزكاة ومنع القربات أولى وأولى … وسئل ابن مسعود عن الماعون فقال هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقِدْر … وهكذا نرى السورة الكريمة قد ذمت المكذبين بيوم الدين ذما شديدا حيث وصفتهم بأقبح الصفات وأشنعها . نسأل الله - تعالى - أن يعيذنا من ذلك . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .