Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 108, Ayat: 1-3)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الكوثر فَوْعل من الكثرة ، مثل النَّوْفل من النفل ، ومعناه الشئ البالغ فى الكثرة حد الإِفراط ، والعرب تسمى كل شئ كثر عدده ، وعظم شأنه كوثرا ، وقد قيل لأعرابية بعد رجوع ابنها من سفر بم آب ابنك ؟ قالت آب بكوثر . أى بشئ كثير . قال الإِمام القرطبى ما ملخصه واختلف أهل التأويل فى الكوثر الذى أعطيه النبى صلى الله عليه وسلم على ستة عشر قولاً الأول أنه نهر فى الجنة ، رواه البخارى عن أنس ، ورواه الترمذى - أيضاً - عن ابن عمر … الثانى أنه حوض للنبى صلى الله عليه وسلم فى الموقف … الثالث أنه النبوة والكتاب … الرابع أنه القرآن … الخامس الإِسلام . ثم قال - رحمه الله - قلت أصح هذه الأقوال الأول والثانى ، لأنه ثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم نص فى الكوثر … وجميع ما قيل بعد ذلك فى تفسيره قد أعطيه صلى الله عليه وسلم زيادة على حوضه … وافتتح - سبحانه - الكلام بحرف التأكيد ، للاهتمام بالخبر ، وللإِشعار بأن المعطى شئ عظيم … أى إنا أعطيناك بفضلنا وإحساننا - أيها الرسول الكريم - الكوثر ، أى الخير الكثير الذى من جملته هذا النهر العظيم ، والحوض المطهر … فأبشر بذلك أنت وأمتك ، ولا تلتفت إلى ما يقوله أعداؤك فى شأنك . والفاء فى قوله - تعالى - { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والمراد بالصلاة المداومة عليها . أى ما دمنا قد أعطيناك هذه النعم الجزيلة ، فداوم على شكرك لنا ، بأن تواظب على أداء الصلاة أداء تاما ، وبأن تجعلها خالصة لربك وخالقك ، وبأن تواظب - أيضاً - على نحرك الإِبل تقرباً إلى ربك . كما قال - سبحانه - { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ . لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } ثم بشره - سبحانه - ببشارة أخرى فقال { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } والشانئ هو المبغض لغيره ، يقال شَنَأَ فلان شَنْئاً ، إذا أبغضه وكرهه . والأبتر فى الأصل هو الحيوان المقطوع الذنب ، والمراد به هنا الإِنسان الذى لا يبقى له ذكر . ولا يدوم له أثر … شبه بقاء الذكر الحسن بذنب الحيوان ، لأنه تابع له وهو زينته ، وشبه الحرمان من ذلك ببتر الذيل وقطعه . والمعنى إن مبغضك وكارهك - أيها الرسول الكريم - هو المقطوع عن كل خير ، والمحروم من كل ذكر حسن . قال الإِمام ابن كثير " كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له ، فإذا هلك انقطع ذكره ، فأنزل الله - تعالى - هذه السورة " . وقال السدى كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا بتر ، فلما مات أبناء النبى صلى الله عليه وسلم قالوا بتر محمد فأنزل الله هذه الآية . وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر إذا مات انقطع ذكره ، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره ، وحاشا وكلا ، بل أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد ، وأوجب شرعه على رقاب العباد ، مستمرا على دوام الآباد ، إلى يوم الحشر والمعاد ، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الثناد … نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من أهل شفاعته يوم القيامة . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .