Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 113, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الفلق أصله شق الشئ عن الشئ ، وفصل بعض عن بعض ، والمراد به هنا الصبح ، وسمى فلقا لانفلاق الليل وانشقاقه عنه ، كما فى قوله - تعالى - { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } أى شاقٌّ ظلمة آخر الليل عن بياض الفجر … ويصح أن يكون المراد به ، كل ما يفلقه الله - تعالى - من مخلوقات كالأرض التى تنفلق عن النبات ، والجبال التى تنفلق عن عيون الماء … أى قل - أيها الرسول الكريم - أعوذ وأستجير وأعتصم ، بالله - تعالى - الذى فلق الليل ، فانشق عنه الصباح ، والذى هو رب جميع الكائنات ، ومبدع كل المخلوقات … قل أعوذ بهذا الرب العظيم { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أى من شر كل ذى شر من المخلوقات ، لأنه لا عاصم من شرها إلا خالقها - عز وجل - إذ هو المالك لها ، والمتصرف فى أمرها ، والقابض على ناصيتها ، والقادر على تبديل أحوالها ، وتغيير شئونها . ثم قال - تعالى - { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } والغاسق الليل عندما يشتد ظلامه ، ومنه قوله - تعالى - { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ … } أى إلى ظلامه . وقوله { وقب } من الوقوب ، وهو الدخول ، يقال وقبت الشمس إذا غابت وتوارت فى الأفق . أى وقل أعوذ به - تعالى - من شر الليل إذا اشتد ظلامه ، وأسدل ستاره على كل شئ واختفى تحت جنحه ما كان ظاهرا . ومن شأن الليل عندما يكون كذلك ، أن يكون مخيفا مرعبا ، لأن الإِنسان لا يتبين ما استتر تحته من أعداء . ثم قال - سبحانه - { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } وأصل النفاثات جمع نفَّاثَة ، وهذا اللفظ صيغة مبالغة من النَّفث ، وهو النفخ مع ريق قليل يخرج من الفم . والعُقَد جمع عُقْدة من العَقْدِ الذى هو ضد الحل ، وهى اسم لكل ما ربط وأحكم ربطه . والمراد بالنفاثات فى العقد النساء السواحر ، اللائى يعقدن عقدا فى خيوط وينفثن عليها من أجل السحر . وجئ بصيغة التأنيث فى لفظ " النفاثات " لأن معظم السحرة كن من النساء . ويصح أن يكون النفاثات صفة للنفوس التى تفعل ذلك ، فيكون هذا اللفظ شاملا للذكور والإِناث . وقيل المراد بالنفاثات فى العقد النمامون الذين يسعون بين الناس والفساد ، فيقطعون بما أمر الله به أن يوصل … وعلى ذلك تكون فى " النفاثة " للمبالغة كعلامة وفهامة ، وليست للتأنيث . أى وقل - أيضا - أستجير بالله - تعالى - من شرور السحرة والنمامين ، ومن كل الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } . والحاسد هو الإِنسان الذى يتمنى زوال النعمة عن غيره . والحسد حقيقة واقعة . وأثره لا شك فيه ، وإلا لما أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرور الحاسدين . قال الآلوسى وقوله { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أى إذا أظهر ما فى نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر ، ومبادى الأضرار بالمحسود قولا وفعلا … وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الحسد فى أحاديث كثيرة منها قوله " لا تباغضوا ولا تحاسدوا … " . ومنها قوله " إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات ، كما تأكل النار الحطب " . هذا ، وقد تكلم العلماء كلاما طويلا عند تفسيرهم لقوله - تعالى - { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } عن السحر ، فمنهم من ذهب إلى أنه لا حقيقة له وإنما هو تخييل وتمويه … وجمهورهم على إثباته ، وأن له آثارا حقيقية ، وأن الساحر قد يأتى بأشياء غير عادية ، إلا أن الفاعل الحقيقى فى كل ذلك هو الله - تعالى - . وقد بسطنا القول فى هذه المسألة عند تفسيرنا لقوله - تعالى - فى سورة البقرة { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ … } نسأل الله - تعالى - أن يعيذنا من شرار خلقه … وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم …