Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 1-4)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لقد افتتحت سورة الرعد ببعض الحروف المقطعة ، وقد سبق أن تكلمنا عن آراء العلماء فى هذه الحروف فى سور البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس ، وهود ، ويوسف . وقلنا ما ملخصه إن أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض السور على سبيل الإِيقاظ والتنبيه إلى إعجاز القرآن . فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك المعارضين فى أن القرآن من عند الله هاكم القرآن ترونه مؤلفاً من كلام هو من جنس ما تؤلفون من كلامكم ، ومنظوماً من حروف هى من جنس الحروف الجهائية التى تنظمون منها كلماتكم . فإن كنتم فى شك من كونه منزلاً من عند الله فهاتوا مثله ، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك ، فإن لم تستطيعوا أن تأتوا بمثله فهاتوا عشر سور من مثله ، فإن لم تستطيعوا فهاتوا سورة واحدة من مثله … ومع كل هذا التساهل معهم فى التحدى ، فقد عجزوا وانقلبوا خاسرين ، فثبت بذلك أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - . { تلك } اسم إِشارة ، والمشار إليه الآيات ، والمراد بها آيات القرآن الكريم ، ويدخل فيها آيات السورة التى معنا . والمراد بالكتاب القرآن الكريم الذى أنزله - سبحانه - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - لإِخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإِسلام . وقوله { وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ } تنويه بشأن القرآن الكريم ، ورد على المشركين الذين زعموا أنه أساطير الأولين . أى تلك الآيات التى نقرؤها عليك - يا محمد - فى هذه السورة هى آيات الكتاب الكريم ، وما أنزله الله - تعالى - عليك فى هذا الكتاب ، هو الحق الخالص الذى لا يلتبس به باطل ، ولا يحوم حول صحته شك أو التباس . وفى قوله - سبحانه - { مِن رَّبِّكَ } مزيد من التلطف فى الخطاب معه - صلى الله عليه وسلم - فكأنه - سبحانه - يقول له إن ما نزل عليك من قرآن هو من عند ربك الذى تعهدك بالرعاية والتربية حتى بلغت درجة الكمال . واسم الموصول { الذى } مبتدأ ، والجملة بعده صلة ، والحق هو الخبر … وقوله { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } استدراك لبيان موقف أكثر الناس من هذا القرآن الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . أى لقد أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن بالحق ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون به لانطماس بصائرهم ، واستيلاء العناد على نفوسهم … وفى هذا الاستدراك ، مدح لتلك القلة المؤمنة من الناس ، وهم أولئك الذين فتحوا قلوبهم للحق منذ أن وصل إليهم ، فآمنوا به ، واعتصموا بحبله ، ودافعوا عنه بأموالهم وأنفسهم وعلى رأس هذه القلة التى آمنت بالحق منذ أن بلغها أبو بكر الصديق وغيره من السابقين إلى الإِسلام . ثم أقام - سبحانه - الأدلة المتنوعة ، عن طريق المشاهدة - على كمال قدرته ، وعلى وجوب إخلاص العبادة له فقال - تعالى - { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } . والعمد جمع عماد ، وهو ما تقام عليه القبة أو البيت . وجملة { ترونها } فى محل نصب حال من السماوات . أى الله - سبحانه - هو الذى رفع هذه السماوات الهائلة فى صنعها وفى ضخامتها ، بغير مستند يسندها ، وبغير أعمدة تعتمد عليها ، وأنتم ترون ذلك بأعينكم بجلاء ووضوح . والمراد بقوله { رفع } أى خلقها مرتفعة منذ البداية ، وليس المراد أنه - سبحانه - رفعها بعد أن كانت منخفضة . ولا شك أن خلق السماوات على هذه الصورة من أكبر الأدلة على أن لهذا الكون خالقاً قادراً حكيماً ، هو المستحق للعبادة والطاعة . وقوله - سبحانه - { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } معطوف على ما قبله ، وهو دليل آخر على قدرة الله - تعالى - عن طريق الغائب الهائل الذى تتقاصر دونه المدارك بعد أن أقام الأدلة على ذلك عن طريق الحاضر المشاهد . الاستواء فى اللغة يطلق على معان منها الاستقرار كما فى قوله - تعالى { وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ } أى استقرت ، وبمعنى الاستيلاء والقهر . وعرش الله - تعالى - مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم - كما يقول الراغب - . وقد ذكر لفظ العرش فى إحدى وعشرين آية ، كما ذكر الاستواء على العرش فى سبع آيات من القرآن الكريم . والمعنى ثم استوى على العرش استواء يليق بذاته - تعالى - بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل ، لاستحالة اتصافه - سبحانه - بصفات المحدثين . قال الإِمام مالك - رحمه الله - " الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإِيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة " . ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر نعمه على عباده فقال { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } . والتسخير التذليل والخضوع . أى أن من مظاهر فضله أنه - سبحانه - سخر ذلك وأخضع لقدرته الشمس والقمر ، بأن جعلهما طائعين لما أراده منهما من السير فى منازل معينة ، ولأجل معين محدد لا يتجاوزانه ولا يتعديانه . بل يقفان عند نهاية المدة التى حددها - سبحانه - لوقوفهما وأفولهما . قال - تعالى - { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } وتدبير الأمر تصريفه على أحسن الوجوه وأحكمها وأكملها . والآيات جمع آية . والمراد بها هنا ما يشمل الآيات القرآنية ، والبراهين الكونية الدالة على وحدانيته وقدرته - سبحانه - . أى أنه - سبحانه - يقضى ويقدر ويتصرف فى أمر خلقه على أكمل الوجوه وأنه - سبحانه - ينزل آياته القرآنية واضحة مفصلة ، ويسوق الأدلة الدالة على وحدانيته وقدرته بطرق متعددة ، وبوجوه متنوعة . وقد فعل - سبحانه - ما فعل - من رفعه السماء بلا عمد ، ومن تسخيره للشمس والقمر ، ومن تدبيره لأمور خلقه ، ومن تفصيله للآيات لعكلم عن طريق التأمل والتفكير فيما خلق ، توقنون بلقائه ، وتعتقدون أن من قدر على إيجاد هذه المخلوقات العظيمة ، لا يعجزه أن يعيدكم إلى الحياة بعد موتكم ، لكى يحاسبكم على أعمالكم . وقال - سبحانه - { يدبر } و { يفصل } بصيغة المضارع . وقال قبل ذلك { رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ } و { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } بصيغة الماضى . لأن التدبير للأمور ، والتفصيل للآيات ، يتجددان بتجدد تعلق قدرته - سبحانه - بالمقدورات . وأما رفع السماوات ، وتسخير الشمس والقمر ، فهى أمور قد تمت واستقرت دفعة واحدة . وبعد أن ذكر - سبحانه - بعض مظاهر قدرته فى عالم السماوات ، أتبعه بذكر بعض هذه المظاهر فى عالم الأرض فقال - تعالى - { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْن } والمد البسط والسعة . ومنه ظل مديد أى متسع . والرواسى الجبال مأخوذ من الرسو ، وهو ثبات الأجسام الثقيلة ، يقال رسا الشئ يرسو رسْوا ورسُوًّا ، إذا ثبت واستقر ، وأرسيت الوتد فى الأرض إذا أثبته فيها . ولفظ رواسى صفة لموصوف محذوف . وهو من الصفات التى تغنى عن ذكر موصوفها . والأنهار جمع نهر ، وهو مجرى الماء الفائض ، ويطلق على الماء السائل على الأرض . والمراد بالثمرات ما يشملها هى وأشجارها ، وإنما ذكرت الثمرات وحدها ، لأنها هى موضع المنة والعبرة . والمراد بالزوجين الذكر والأنثى ، وقيل المراد بهما الصنفان فى اللون أو فى الطعم أو فى القدر وما أشبه ذلك . والمعنى وهو - سبحانه - الذى بسط الأرض طولاً وعرضاً إلى المدى الذى لا يدركه البصر ، ليتيسر الاستقرار عليها . ولا تنافى بين مدها وبسطها ، وبين كونها كروية ، لأن مدها وبسطها على حسب رؤية العين ، وكرويتها حسب الحقيقة . وجعل فى هذه الأرض جبالاً ثوابت راسخات ، لتمسكها من الاضطراب ، وجعل فيها - أيضاً - أنهاراً ، لينتفع الناس والحيوان وغيرهما بمياه هذه الأنهار . وجعل فيها كذلك من كل نوع من أنواع الثمرات ذكرا وأنثى . قال صاحب الكشاف " أى خلق فيها من جميع أنواع الثمرات زوجين زوجين حين مدها ، ثم تكاثرت بعد ذلك وتنوعت . وقيل أراد بالزوجين ، الأسود والأبيض ، والحلو والحامض ، والصغير والكبير ، وما أشبه ذلك من الأوصاف المختلفة " . وقال صاحب الظلال " وهذه الجملة تتضمن حقيقة لم تعرف للبشر من طريق علمهم وبحثهم إلا قريباً ، وهى أن كل الأحياء وأولها النبات تتألف من ذكر وأنثى ، حتى النباتات التى كان مظنوناً أنه ليس لها من جنسها ذكور ، تبين أنها تحمل فى ذاتها الزوج الآخر ، فتضم أعضاء التذكير وأعضاء التأنيث مجتمعة فى زهرة ، أو متفرقة فى العود . … " وقوله { يُغْشِي ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - سبحانه - ورحمته بعباده . ولفظ { يغشى } من التغشية بمعنى التغطية والستر . والمعنى أن من مظاهر قدرته - سبحانه - أنه يجعل الليل غاشيا للنهار مغطياً له فيذهب بنوره وضيائه ، فيصير الكون مظلماً بعد أن كل مضيئاً . ويجعل النهار غاشياً لليل ، فيصير الكون مضيئاً بعد أن كان مظلماً ، وفى مكان من منافع الناس ما فيه ، إذ بذلك يجمع الناس بين العمل والراحة ، وبين السعى والسكون . ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . أى إن فى ذلك الذى فعله الله - تعالى - من بسط الأرض طولاً وعرضاً ومن تثبيتها بالرواسى ، ومن شقها بالأنهار … لآيات باهرة ، ودلائل ظاهرة على قدرة الله - تعالى - ورحمته بعباده ، لقوم يحسنون التفكر ، ويطيلون التأمل فى ملكوت السماوات والأرض . ثم ساق - سبحانه - مظاهر أخرى لقدرته فقال - تعالى - { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } . والقطع جمع قطعة - بكسر القاف - وهى الجزء من الشئ ، تشبيها لها ، بما يقتطع من الشئ . ومتجاورات أى متلاقيات ومتقاربات . وليس هذا الوصف مقصوداً لذاته ، بل المقصود أنها من تجاورها وتقاربها مختلفة فى أوصافها مما يشهد بقدرة الله - تعالى - العظيمة . ولذا قال ابن كثير ما ملخصه { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } أى أراض يجاور بعضها بعضاً ، مع أن هذه طيبة تنبت ما ينتفع به الناس ، وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئاً ، وهذه تربتها حمراء ، وتلك تربتها سوداء … وهذه محجرة وتلك سهلة … والكل متجاورات ، فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار ، لا إله إلا هو ولا رب سواه . وقال - سبحانه - { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } بإعادة اسم الأرض الظاهر ، ولم يقل وفيها قطع متجاورات كما قال { جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } فى الآية السابقة ، وذلك ليكون كاملاً مستقلا ، وليتجدد الأسلوب فيزداد حلاوة وبلاغة . وقوله { وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ … } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - سبحانه - ورحمته بعباده . والجنات جمع جنة ، والمراد بها البستان ذو الشجر المتكاثف ، الملتف الأغصان الذى يظلل ما تحته ويستره . والأعناب جمع عنب وهو شجر الكرم . والمراد بالزرع أنواع الحبوب على اختلاف ألوانها وطعومها وصفاتها وقوله { صنوان } صفة لنخيل ، وهو جمع صنو . والصنو الفرع الذى يجمعه مع غيره أصل واحد ، فإذا خرجت نخلتان أو أكثر من أصل واحد ، فكل واحدة منهن يطلق عليها اسم صنو . ويطلق على الاثنتين صنوان - بكسر النون - ويطلق على الجمع صنوان - بضم النون - . والصنو بمعنى المثل ومنه قيل لعم الرجل صنو أبيه ، أى مثله ، فأطلق على كل غصن صنو لمماثلته للآخر فى التفرع من أصل واحد " والأكل " اسم لما يؤكل من الثمار والحب . والمعنى أن من مظاهر قدرت الله - أيضا - ومن الأدلة على وحدانيته - سبحانه - أنه جعل فى الأرض بقاعا كثيرة متجاورة ومع ذلك فهى مختلفة فى أوصافها وفى طبيعتها … وفيها أيضا بساتين كثيرة من أعناب ومن كل نوع من أنواع الحبوب . وفيها كذلك نخيل يجمعها أصل واحد فهى صنوان ، ونخيل أخرى لا يجمعها أصل واحد فهى غير صنوان . والكل من الأعناب والزرع والنخيل وغيرها { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ } لا اختلاف فى ذاته سواء أكان السقى من ماء الأمطار أم من ماء الأنهار ومع وجود أسباب التشابه ، فإننا لعظيم قدرتنا وإحساننا { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ } آخر منها { فِي ٱلأُكُلِ } أى فى اختلاف الطعوم . قال الإِمام الرازى " قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم { وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } كلها بالرفع عطفا على قوله { وجنات } وقرأ الباقون بالجر عطفاً على الأعناب … " وخص - سبحانه - النخيل بوصفه بصنوان ، لأن العبرة به أقوى ، إذ المشاهدة له أكثر من غيره . ووجه زيادة { غَيْرُ صِنْوَانٍ } تجديد العبرة باختلاف الأحوال ، واقتصر - سبحانه - فى التفاضل على الأكل ، لأنه أعظم المنافع . وقوله - سبحانه - { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } تذييل قصد به الحض على التعقل والتدبر . أى إن فى ذلك الذى فصل الله - تعالى - أحواله من اختلاف أجناس الثمرات والزروع فى أشكالها وألوانها وطعومها وأوراقها … مع أنها تسقى بماء واحد . وتنبت فى أرض متجاورة ، إن فى ذلك كله لدلائل باهرة ، على قدرة الله - تعالى - واختصاصه بالعبادة ، لقوم يستعملون عقولهم فى التفكير السليم ، والتأمل النافع . أما الذين يستعملون عقولهم فيما لا ينفع ، فإنهم يمرون بالعبر والعظات وهم عنها معرضون . وبذلك نرى أن الله - تعالى - قد ساق فى هذه الآيات أدلة متعددة ومتنوعة من العالم العلوى والسفلى ، وكلها تدل على عظيم قدرته ، وجليل حكمته . وهذه الأدلة منها 1 - خلقه السماوات مرتفعة بغير عمد . 2 - تسخيره الشمس والقمر لمنافع الناس . 3 - خلقه الأرض بتلك الصورة الصالحة للاستقرار عليها . 4 - خلقه الجبال فيها لتثبيتها . 5 - خلقه الأنهار فيها لمنفعة الإِنسان والحيوان والنبات . 6 - خلقه زوجين اثنين من كل نوع من أنواع الثمار . 7 - معاقبته بين الليل والنهار . 8 - خلقه بقاعا فى الأرض متجاورة مع اختلافها فى الطبيعة والخواص . 9 - خلقه أنواعاً من الزروع المختلفة فى ثمارها وأشكالها . 10 - خلقه النخيل صنواناً وغير صنوان ، وجميعها تسقى بماء واحد . ومع كل ذلك فضل - سبحانه - بعضها على بعض فى الأكل . وهذه الأدلة يشاهدها الناس بأبصارهم ، ويحسونها بحواسهم ، تبصرة وذكرى لكل عبد منيب . وبعد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر قدرة الله فى خلقه ، ساق - سبحانه - بعض أقوال المشركين الفاسدة ، ورد عليها بما يدحضها فقال - تعالى - { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي … } .