Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 8-11)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فقوله - سبحانه - { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } كلام مستأنف مسوق لبيان كمال علمه وقدرته - سبحانه - . { وتغيض } من الغيض بمعنى النقص . يقال غاض الماء إذا نقص . و { ما } موصولة والعائد محذوف . أى الله وحده هو الذى يعلم ما تحمله كل أنثى فى بطنها من علقة أو مضغة ومن ذكر أو أنثى … وهو وحده - سبحانه - الذى يعلم ما يكون فى داخل الأرحام من نقص فى الخلقة أو زيادة فيها ، ومن نقص فى مدة الحمل أو زيادة فيها ، ومن نقص فى العدد أو زيادة فيه … قال ابن كثير " قوله { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } قال البخارى حدثنا إبراهيم بن المنذر . حدثنا معن ، حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما فى غد إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتى المطر إلا الله ، ولا تدرى نفس بأى أرض تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله " . وقال العوفى عن ابن عباس { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ } يعنى السقط { وَمَا تَزْدَادُ } . يقول ما زادت الرحم فى الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما . وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ، ومنهن من تحمل تسعة أشهر ، ومنهم من تزيد فى الحمل ومنهن من تنقص . فذلك الغيض والزيادة التى ذكر الله - تعالى - وكل ذلك بعلمه - سبحانه - . وقوله { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } أى وكل شئ عنده - سبحانه - بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه ، كما قال - تعالى - { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } وكما قال - تعالى - { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } فهو - سبحانه - يعلم كمية كل شئ وكيفيته وزمانه ومكانه وسائر أحواله . وقوله { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } تأكيد لعموم علمه - سبحانه - ودقته . والغيب مصدر غاب يغيب ، وكثيرا ما يستعمل بمعنى الغائب ، وهو ما لا تدركه الحواس ولا يعلم ببداهة العقل . والشهادة مصدر شهد يشهد ، وهى هنا بمعنى الأشياء المشهودة . والمتعال المستعلى على كل شئ فى ذاته وفى صفاته وفى أفعاله - سبحانه - . أى أنه - سبحانه - هو وحده الذى يعلم أحوال الأشياء الغائبة عن الحواس كما يعلم أحوال المشاهدة منها ، وهو العظيم الشأن ، المستعلى على كل شئ . وقوله - سبحانه { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } تأكيد آخر لشمول - علمه - - سبحانه - لأحوال عباده . وسواء اسم مصدر بمعنى الاستواء ، والمراد به هنا اسم الفاعل . أى مستو . قال الجمل " وفيه وجهان أحدهما أنه خبر مقدم ، ومن أسر ومن جهر هو المبتدأ ، وإنما لم يثن الخبر لأنه فى الأصل مصدر ، وهو هنا بمعنى مستو . والثانى أنه مبتدأ ، وجاز الابتداء به لوصفه بقوله { منكم } . { وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } أى ظاهر بالنهار . يقال سرب فى الأرض يسرب سربا وسروبا . أى ذهب فى سربه - بسكون الراء وكسر السين وفتحها - أى طريقه . والمعنى أنه - تعالى - مستوٍ فى عمله من أسر منكم القول ، ومن جهر به بأن أعلنه لغيره . ومستوٍ فى علمه - أيضا - من هو مستتر فى الظلمة الكائنة فى الليل ، ومن هو ذاهب فى سربه وطريقه بالنهار بحيث يبصره غيره . وذكر - سبحانه - الاستخفاء مع الليل لكونه أشد خفاء ، وذكر السروب مع النهار لكونه أشد ظهورا . ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر رعايته لعباده فقال - تعالى - { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ اللَّهَ … } . والضمير فى { له } يعود إلى { من } فى قوله { مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ } باعتبار تأويله بالمذكور . و " معقبات " صفة لموصوف محذوف أى ملائكة معقبات . قال الشوكانى " والمعقبات المتناوبات التى يخلف كل واحد منها صاحبه ويكون بدلا منه . وهم الحفظة من الملائكة فى قول عامة المفسرين . قال الزجاج المعقبات ملائكة يأتى بعضهم بعقب بعض ، وإنما قال " معقبات " مع كون الملائكة ذكورا لأن الجماعة من الملائكة يقال لها معقبة ، ثم جمع معقبة على معقبات . قال الجوهرى والتعقب العود بعد البدء قال الله - تعالى - { وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } يقال عقب الفرس فى عدوه ، أى جرى بعد جريه . وعقبه تعقيبا . أى جاء عقبه . و " من " فى قوله { مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } بمعنى باء السببية . والمعنى لكل واحد من هؤلاء المذكورين ممن يسرون القول أو يجهرون به ، ملائكة يتعاقبون عليه بالليل والنهار ويحيطون به من جميع جوانبه لحفظه ورعايته ، ولكتابة أقواله وأعماله ، وهذا التعقيب والحفظ ، إنما هو بسبب أمر الله - تعالى - لهم بذلك . قال ابن كثير وفى الحديث الصحيح " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون فى صلاة الصبح وصلاة العصر ، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم - سبحانه - وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادى ؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلون ، وتركناهم وهم يصلون " . وفى الحديث الآخر " إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع ، فاستحيويهم وأكرموهم " أى فاستحيوا منهم وأكرموهم بالتستر وغيره . وقال عكرمة عن ابن عباس " يحفظونه من أمر الله ، قال ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه " . ثم ساق - سبحانه - سنة من سننه التى لا تتخلف فقال { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } . أى إن الله - تعالى - قد اقتضت سنته ، أنه - سبحانه - لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية وخير بضده ، حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة إلى معصية ومن جميل إلى قبيح ، ومن صلاح إلى فساد . وإذا أراد - سبحانه - بقوم سوءا من عذاب أو هلاك أو ما يشبهها بسبب إيثارهم الغى على الرشد ، فلا راد لقضائه ، ولا دافع لعذابه . وما لهم من دونه - سبحانه - من وال أى من ناصر ينصرهم منه - سبحانه - ويرفع عنهم عقابه ، ويلى أمورهم ويلتجئون إليه عند الشدائد . فالجملة الكريمة بيان لمظهر من مظاهر عدل الله فى شئون عباده ، وتحذير شديد لهم من الإِصرار على الشرك والمعاصى وجحود النعمة ، فإنه - سبحانه - لا يعصم الناس من عذابه عاصم . ولا يدفعه دافع . قال الإِمام ابن كثير " قال ابن أبى حاتم أوحى الله إلى نبى من أنبياء بنى إسرائيل أن قل لقومك إنه ليس من أهل قرية ، ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله ، فيتحولون منها إلى معصية الله ، إلا تحول الله لهم مما يحبون إلى ما يكرهون . ثم قال إن مصداق ذلك فى كتاب الله { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } . وعن عمير بن عبد الملك قال خطبنا على بن أبى طالب على منبر الكوفة فقال كنت إذا سكت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدأنى ، وإذا سألته عن الخبر أنبأنى ، وإنه حدثنى عن ربه - عز وجل - قال " قال الرب وعزتى وجلالى وارتفاعى فوق عرشى ، ما من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على ما كرهت من معصيتى ، ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتى ، إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابى إلى ما يحبون من رحمتى " . ثم لفت - سبحانه - أنظار عباده إلى أنواع متعددة من الظواهر الكونية الدالة على قدرته ووحدانيته ، وبين أن هذه الظواهر قد تكون نعما ، وقد تكون نقما ، وأنها وغيرها تسبح بحمد الله ، وتخضع لسلطانه فقال - تعالى - { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً … } .