Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 5-8)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الإِمام الرازى " اعلم أنه - تعالى - لما بين أنه أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور وذكر كمال إنعامه عليه وعلى قومه فى ذلك الإِرسال وفى تلك البعثة ، أتبع ذلك بشرح بعثة سائر الأنبياء إلى أقوامهم ، وكيفية معاملة أقوامهم معهم . تصبيرا له - صلى الله عليه وسلم - على أذى قومه ، وبدأ - سبحانه - بقصة موسى فقال { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ … } . وموسى - عليه السلام - هو ابن عمران ، ابن يصهر ، ابن ماهيث … وينتهى نسبه إلى لاوى بن يعقوب عليه السلام . وكانت ولادة موسى - عليه السلام - فى حوالى القرن الرابع عشر قبل الميلاد . والمراد بالآيات فى قوله { بِآيَاتِنَآ } الآيات التسع التى أيده الله تعالى بها قال تعالى { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ … } وهى العصا ، واليد ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والجدب - أى فى بواديهم ، والنقص من الثمرات - أى فى مزارعهم . قال - تعالى - { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ . وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } وقال - تعالى - { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ } وقال - تعالى - { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } ومنهم من يرى أنه يصح أن يراد بالآيات هنا آيات التوراة التى أعطاها الله - تعالى - لموسى - عليه السلام - . قال الآلوسى ما ملخصه " قوله { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ } أى ملتبسا بها . وهى كما أخرج ابن جرير وغيره ، عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير ، الآيات التسع التى أجراها الله على يده - عليه السلام - وقيل يجوز أن يراد بها آيات التوراة " . ويبدو لنا أنه لا مانع من حمل الآيات هنا على ما يشمل الآيات التسع ، وآيات التوراة ، فالكل كان لتأييد موسى - عليه السلام - فى دعوته . و " أن " فى قوله { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ } تفسير بمعنى أى لأن فى الإِرسال معنى القول دون حروفه . والمراد بقومه من أرسل لهدايتهم وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان ، وهم بنو إسرائيل وفرعون وأتباعه . وقيل المراد بقومه بنو إسرائيل خاصة ، ولا نرى وجها لهذا التخصيص ، لأن رسالة موسى - عليه السلام - كانت لهم ولفرعون وقومه . والمعنى وكما أرسلناك يا محمد لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ، أرسلنا من قبلك أخاك موسى إلى قومه لكى يخرجهم - أيضا - من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان . فالغاية التى من أجلها أرسلت - أيها الرسول الكريم - هى الغاية التى من أجلها أرسل كل نبى قبلك ، وهى دعوة الناس إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - وخص - سبحانه - موسى بالذكر من بين سائر الرسل . لأن أمته أكثر الأمم المتقدمة على هذه الأمة الإسلامية . وأكد - سبحانه - الإخبار عن إرسال موسى بلام القسم وحرف التحقيق قد ، لتنزيل المنكرين لرسالة النبى - صلى الله عليه وسلم - منزلة من ينكر رسالة موسى - عليه السلام - وقوله - تعالى - { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } معطوف على قوله { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ } . والتذكير إزالة نسيان الشئ ، وعدى بالباء لتضمينه معنى الإِنذار والوعظ أى ذكرهم تذكير عظة بأيام الله . ومن المفسرين من يرى أن المراد بأيام الله نعمه وآلاؤه . قال ابن كثير قوله { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } أى بأياديه ونعمه عليهم ، فى إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه ، وإنجائه إياهم من عدوهم ، وفلقه لهم البحر ، وتظليله إياهم الغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى " . ومنهم من يرى أن المراد بها ، نقمه وبأساؤه . قال صاحب الكشاف قوله { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } أى وأنذرهم بوقائعه التى وقعت على الأمم قبلهم ، كما وقع على قوم نوح وعاد وثمود ، ومنه أيام العرب لحروبها وملاحمها ، كيوم ذى قار ، ويوم الفجار ، وهو الظاهر " ومنهم من يرى أن المراد بها ما يشمل أيام النعمة ، وأيام النقمة . قال الإِمام الرازى ما ملخصه " أما قوله { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } فاعلم أنه - تعالى - أمر موسى فى هذا المقام بشيئين ، أحدهما أن يخرجهم من الظلمات إلى النور . والثانى أن يذكرهم بأيام الله . ويعبر عن الأيام بالوقائع العظيمة التى وقعت فيها … { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } فالمعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد ، فالترغيب والوعد ، أن يذكرهم بنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل … والترهيب والوعيد . أن يذكرهم بأس الله وعذابه وانتقامه ، ممن كذب الرسل من الأمم السالفة … ثم قال واعلم أن أيام الله فى حق موسى - عليه السلام - منها ما كان أيام المحنة والبلاء ، وهى الأيام التى كانت بنو إسرائيل فيها تحت قهر فرعون ، ومنها ما كان أيام الراحة والنعماء مثل إنزال المن والسلوى عليهم … " . وقال الآلوسى " قوله { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } أى بنعمائه وبلائه ، كما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - واختاره الطبرى ، لأنه الأنسب بالمقام والأوفق بما سيأتى من الكلام " . وما ذهب إليه الإِمامان الرازى والآلوسى ، هو الذى تسكن إليه النفس ، لأن الأيام كلها وإن كانت لله ، إلا أن المراد بها هنا أيام معينة ، وهى التى برزت فيها السراء أو الضراء بروزا ظاهرا ، كانت له آثاره على الناس الذين عاشوا فى تلك الأيام . وبنو إسرائيل - على سبيل المثال - مرت عليهم فى تاريخهم الطويل ، أيام غمروا فيها بالنعم ، وأيام أصيبوا فيها بالنقم . فالمعنى ذكر يا موسى قومك بنعم الله لمن آمن وشكر ، وبنقمه على من جحد وكفر ، لعل هذا التذكير يجعلهم يثوبون إلى رشدهم ، ويتبعونك فيما تدعوهم إليه . واسم الإِشارة فى قوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } يعود على التذكير بأيام الله . والصبار الكثير الصبر على البلاء . والصبر حبس النفس على ما يقتضيه الشرع فعلا أو تركا . يقال صبره عن كذا يصبره إذا حبسه . والشكور الكثير الشكر لله - تعالى - على نعمه ، والشكر عرفان الإِحسان ونشره والتحدث به ، وأصله من شكرت الناقة - كفرح - إذا امتلأ ضرعها باللبن ، ومنه أشكر الضرع إذا امتلأ باللبن . أى إن فى ذلك التذكير بنعم الله ونقمه ، لآيات واضحات ، ودلائل بينات على وحدانية الله - تعالى - وقدرته وعلمه ، وحكمته ، لكل إنسان كثير الصبر على البلاء ، وكثير الشكر على النعماء . وتخصيص الآيات بالصبار والشكور لأنهما هما المنتفعان بها وبما تدل عليه من دلائل على وحدانية الله وقدرته ، لا لأنها خافية على غيرهما ، فإن الدلائل على ذلك واضحة لجميع الناس . وجمع - سبحانه - بينهما ، للإِشارة إلى ان المؤمن الصادق لا يخلو حاله عن هذين الأمرين ففى الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " إن أمر المؤمن كله عجب ، لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له . وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له " . وقدم - سبحانه - صفة الصبر على صفة الشكر ، لما أن الصبر مفتاح الفرج المقتضى للشكر ، أو لأن الصبر من قبيل الترك ، والتخلية مقدمة على التحلية . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك موسى - عليه السلام - قد امتثل أمر ربه فقال { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ … } و " إذ " ظرف لما مضى من الزمان ، وهو متعلق بمحذوف تقديره اذكر . والمراد بقوله { ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } تنبهوا بعقولكم وقلوبكم لتلك المنن التى امتن الله بها عليكم ، وقوموا بحقوقها ، وأكثروا من الحديث عنها بألسنتكم . فإن التحدث بنعم الله فيه إغراء بشكرها . " آل فرعون " حاشيته وخاصته من قومه . وفرعون لقب لملك مصر فى ذلك الوقت ، كما يقال لملك الروم قيصر … ويسومونكم من السوم وهو مطلق الذهاب أو الذهاب فى ابتغاء الشئ ، يقال سامت الإِبل فهى سائمة . أى ذهبت فى المرعى ، وسام السلعة إذا طلبها وابتغاها . وسامه خسفا ، إذا أذله واحتقره وكلفه فوق طاقته . و { سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } أشده . والسوء - بالضم - كل ما يدخل الحزن والغم على نفس الإِنسان . وهو فى الأصل مصدر ، ويؤنث بالألف فيقال السوأى . وقوله { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } من الاستحياء بمعنى الاستبقاء ، يقال استحيا فلان فلانا أى استبقاه وأصله طلب له الحياة والبقاء . والمعنى واذكر - أيها الرسول الكريم - أو أيها المخاطب وقت أن قال موسى - عليه السلام - لقومه على سبيل الإِرشاد والتوجيه إلى الخير يا قوم { ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أى داوموا على شكر الله ، فقد أسبغ عليكم نعما كثيرة من أبرزها أنه - سبحانه - أنجاكم من آل فرعون الذين كانوا يصبون عليكم أشد العذاب وأفظعه ، وكانوا يذبحون أبناءكم الصغار ، ويستبقون نساءكم … وجعل - سبحانه - النجاة هنا من آل فرعون ولم تجعل منه ، مع أنه الآمر بتعذيب بنى إسرائيل للتنبيه على أن حاشيته وبطانته كانت عونا فى إذاقتهم سوء العذاب . وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لبنى إسرائيل ، لأن هذا الإِبقاء عليهم كان المقصود منه الاعتداء عليهن ، واستعمالهن فى الخدمة بالاسترقاق ، فبقاؤهن بعد فقد الذكور بقاء ذليل ، وعذاب أليم ، تأباه النفوس الكريمة . قال الآلوسى قوله { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } أى ويبقونهن فى الحياة مع الذل . ولذلك عد من جملة البلاء ، أو لأن إبقاؤهن دون البنين رزية فى ذاته كما قيل @ ومن أعظم الرزء فيما أرى بقاء البنات وموت البنينا @@ وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء هنا الأطفال الصغار ، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك ، ولأن قتل جميع الرجال لا يفيدهم حيث إن فرعون وآله ، كانوا يستعملونهم فى الأعمال الشاقة والحقيرة ، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال ، لما قامت أم موسى بإلقائه فى البحر وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح . وقال - سبحانه - هنا { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } لأن المقصود هنا تعداد المحن التى حلت ببنى اسرائيل ، فكان المراد بجملة { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } نوعا منه ، وكان المراد بجملة { وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } نوعا آخر منه ، لذا وجب العطف ، لأن الجملة الثانية ليست مفسرة للأولى ، وإنما هى تمثل نوعا آخر من العذاب الذى حل ببنى إسرائيل . بخلاف قوله - تعالى - فى سورة البقرة { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } بدون واو العطف ، لأن الجملة الثانية بيان وتفسير للجملة الأولى . فيكون المراد من سوء العذاب فى سورة البقرة تذبيح الأبناء واستحياء النساء . واسم الإشارة فى قوله { وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ } يعود إلى المذكور من النعم والنقم ، والبلاء الامتحان والاختبار ، ويكون فى الخير والشر . قال - تعالى - { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } أى وفى ذلكم العذاب وفى النجاة منه امتحان عظيم لكم من ربكم بالسراء لتشكروا وبالضراء لتصبروا ، ولتقلعوا عن السيئات التى تؤدى بكم إلى الشفاء والهوان . ثم حكى - سبحانه - أن موسى - عليه السلام - قد أرشد قومه إلى سنة من سنن الله التى لا تتخلف فقال { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } . . وقوله { تَأَذَّنَ } بمعنى آذن أى أعلم ، يقال آذن الأمر بالأمر أى أعلمه ، إلا أن صيغة التفعل تفيد المبالغة فى الإِعلام ، فيكون معنى " تأذن " أعلم إعلاما واضحا بليغا لا التباس معه ولا شبهة . واللام فى قوله { لَئِن شَكَرْتُمْ } موطئة للقسم . وحقيقة الشكر الاعتراف بنعم الله - تعالى - واستعمالها فى مواضعها التى أرشدت الشريعة إليها . وقوله { لأَزِيدَنَّكُمْ } ساد مسد جوابى القسم والشرط . والمراد بالكفر فى قوله { وَلَئِن كَفَرْتُمْ } كفر النعمة وجحودها ، وعدم نسبتها إلى واهبها الحقيقى وهو الله - تعالى - كما قال قارون { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي } وعدم استعمالها فيما خلقت له ، إلى غير ذلك من وجوه الانحراف بها عن الحق . وجملة { إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } دليل على الجواب المحذوف لقوله { وَلَئِن كَفَرْتُمْ } إذ التقدير ولئن كفرتم لأعذبنكم ، إن عذابى لشديد . قال الجمل " وإنما حذف هنا وصرح به فى جانب الوعد ، لأن عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد " . والمعنى واذكر أيها المخاطب وقت أن قال موسى لقومه يا قوم إن ربكم قد أعلمكم إعلاما واضحا بليغا مؤكداً بأنكم إن شكرتموه على نعمه ، زادكم من عطائه وخيره ومننه ، وإن جحدتم نعمه وغمطتموها واستعملتموها فى غير ما يرضيه ، محقها من بين أيديكم ، فإنه - سبحانه - عذابه شديد ، وعقابه أليم . هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير هنا جملة من الأحاديث الموجبة للشكر ، والمحذرة من الجحود فقال وقد جاء فى الحديث الشريف " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " . وروى الإِمام أحمد عن أنس قال " أتى النبى - صلى الله عليه وسلم - سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها - أو وحش بها أى رماها - قال وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقال السائل سبحان الله ! ! تمرة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال للجارية إذهبى إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهما التى عندها " . ثم بين - سبحانه - أن موسى قد أخبر قومه أن ضرر كفرهم إنما يعود عليهم ، لأن الله - تعالى - غنى عن العالمين فقال - تعالى - { وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } . أى وقال موسى - عليه السلام - لقومه إن تجحدوا نعم الله أنتم ومن فى الأرض جميعا من الخلائق ، فلن تضروا الله شيئا ، وإنما ضرر ذلك يعود على الجاحد لنعمه ، والمنحرف عن طريقه ، فإن الله - تعالى - لغنى عن شكركم وشكرهم ، مستحق للحمد من جميع المخلوقين طوعا وكرها . ويبدو من سياق الآية الكريمة أن موسى - عليه السلام - إنما قال لقومه ذلك ، بعد أن شاهد منهم علامات الإِصرار على الكفر والفساد ، وترجح لديه أنهم قوم لا ينفعهم الترغيب ولا التعريض بالترهيب ، ولمس منهم أنهم يمنون عليه أو على الله - تعالى - بطاعاتهم فأراد بهذا القول أن يزجرهم عن الإِدلال بإيمانهم ، والمن بطاعتهم . فالغرض الذى سبقت له الآية إنما هو بيان أن منفعة الطاعة والشكر والإِيمان إنما تعود على الطائعين الشاكرين المؤمنين ، وأن مضرة الجحود والكفران إنما تعود على الجاحدين الكافرين . أما الله - تعالى - فلن تنفعه طاعة المطيع ، ولن تضره معصية العاصى . ففى الحديث القدسى الذى رواه الإِمام مسلم فى صحيحه عن أبى ذر الغفارى ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه - عز وجل - أنه قال " يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئا . يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا . يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر " . وبذلك نرى الآيات الكريمة قد زخرت بالتوجيهات القرآنية الحكيمة ، التى ساقها الله - تعالى - على لسان موسى - عليه السلام - وهو يعظ قومه ، ويذكرهم بأيام الله ، وبسننه فى خلقه ، وبغناه عنهم … ثم حكى - سبحانه - جانبا من أحوال بعض الرسل مع أقوامهم ، ومن المحاورات التى دارت بين الرسل وبين من أرسلوا إليهم فقال - تعالى - { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ … }