Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 10-11)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمراد بالسماء السحاب المرتفع فى طبقات الجو ، حيث ينزل منه الماء بقدرة الله - تعالى - والشراب اسم للمشروب الذى يشربه الإِنسان والحيوان وغيرهما . والشجر يطلق على النبات ذى الساق الصلبة على سبيل الحقيقة ، ويطلق على العشب والكلأ على سبيل المجاز ، وهو المراد هنا ، لأنه هو الذى ترعاه الأنعام . والضمير فى قوله - سبحانه - { ومنه شجر } يعود على الماء ، باعتباره السبب فى وجود الشجر . قال الآلوسى قوله - سبحانه - { ومنه شجر } أى نبات مطلقا سواء أكان له ساق أم لا ، كما نقل عن الزجاج ، وهو حقيقة فى الأول ، ومن استعماله فى الثانى قول الراجز @ نعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل فى إطعامها اللحم ضرر @@ فإنه قيل الشجر فيه بمعنى الكلأ ، لأنه الذى يعلف … " . وقوله { تسيمون } من الإسامة ، بمعنى إطلاق الإِبل وغيرها للسوم ، أى الرعى . يقال أسام فلان إبله للرعى إسامة ، إذا أخرجها إلى المرعى . وسامت هى تسوم سوما ، إذا رعت حيث شاءت وأصل السوم الإبعاد فى المرعى . والمعنى هو - سبحانه - وحده وليس غيره الذى غمركم بنعمه ، حيث أنزل لكم من السحاب ماء كثيرا ، هذا الماء الكثير المنزل بقدر معلوم ، منه تأخذون ما تشربونه وما تنتفعون فى حوائجكم الأخرى ، وبسببه تخرج المراعى التى ترعون فيها دوابكم . فالآية الكريمة دليل آخر من الأدلة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، وبديع خلقه ، حيث أنزل - سبحانه - المطر من السماء ، ولو شاء لأمسكه ، أو لأنزله غير صالح للشراب . قال - تعالى - { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } وأتى - سبحانه - بلفظ " فى " المفيدة للظرفية ، فى قوله - تعالى - { فيه تسيمون } للإِشارة إلى أن الرعى فى هذا الشجر ، قد يكون عن طريق أكل الدواب منه ، وقد يكون عن طريق أكل ما تحته من الأعشاب . وقوله - سبحانه - { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ … } تفصيل لأهم منافع الماء . أى يخرج لكم من الأرض ، بسبب الماء الذى أنزله عليها من السماء { الزرع } الذى هو أصل أغذيتكم ، وعماد معاشكم ، كالقمح والشعير وغيرهما { والزيتون } الذى تستعملونه إداما فى أغذيتكم { والنخيل والأعناب } اللذين فيهما الكثير من الفوائد ، ومن التلذذ عند أكل ثمارها . وأخرج لكم - أيضا - بسبب هذا الماء { مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } التى تشتهونها وتنتفعون بها ، والتى تختلف فى أنواعها ، وفى مذاقها ، وفى روائحها ، وفى ألوانها ، مع أن الماء الذى سقيت به واحد ، والأرض التى نبتت فيها متجاورة . ولا شك أن فى هذا الانبات بتلك الطريقة ، أكبر دليل على قدرة الله - تعالى - . لأنه لا يقدر على ذلك سواء - سبحانه - . وأسند - سبحانه - الإِنبات إليه فقال { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ … } لأنه الفاعل الحقيقى لهذا الإِنبات والإِخراج للزروع من الأرض أما غيره - سبحانه - فيلقى الحب فى الأرض ، ويرجو الثمار والإِنبات منه - عز وجل - . قال - تعالى { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } وقال - سبحانه - { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } وقال - عز وجل - { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } وختم - سبحانه - الآية بقوله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } للحض على التفكر والتأمل فى عظيم قدرته - سبحانه - حتى يصل المتأمل إلى إخلاص العبادة له - عز وجل . أى إن فى ذلك المذكور ، من إنزال الماء من السماء ، وإنبات الزروع والثمار بسببه ، لآية باهرة ، ودلالة عظيمة ، على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، لقوم يحسنون التفكير ، ويجيدون التأمل فى خلقه ، أما الذين لا يحسنون التفكير والتأمل ، فهم كالأنعام بل هم أضل . قال الآلوسى ما ملخصه وقال - سبحانه - { لقوم يتفكرون } لأن من تفكر فى أن الحبة والنواة ، تقع فى الأرض ، وتصل إليها نداوة تنفذ فيها ، فينشق أسفلها ، فيخرج منه عروق تنبسط فى أعماق الأرض ، وينشق أعلاها وإن كانت منتكسة فى الوقوع … من تفكر فى ذلك علم أن من هذه آثاره وأفعاله ، لا يمكن أن يشبهه غيره فى صفة من صفات الكمال ، فضلا عن أن يشاركه فى أخص صفاته التى هى الألوهية واستحقاق العبادة . وحيث كان الاستدلال بما ذكر ، مشتملا على أمر خفى محتاج إلى التفكر والتدبر لمن له نظر سديد ، ختم - سبحانه - الآية بالتفكر . ثم ساق - سبحانه - دلائل أخرى مما خلق لنفع الإِنسان ، تدل على وحدانيته وقدرته ، فقال - تعالى { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ … } .