Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 15-16)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولفظ { رواسى } جمع راس من الرسو - بفتح الراء وسكون السين - بمعنى الثبات والتمكن فى المكان ، يقال رسا الشئ يرسو إذا ثبت . وهو صفة لموصوف محذوف . أى جبالا رواسى . و { تميد } أى تضطرب وتميل . يقال ماد الشئ يميد ميدا ، إذا تحرك ، ومادت الأغصان إذا تمايلت أى وألقى - سبحانه - فى الأرض جبالا ثوابت لكى تقر وتثبت ولا تضطرب . فقوله { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } تعليل لإِلقاء الجبال فى الأرض . قال القرطبى وروى الترمذى بسنده عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لما خلق الله الأرض جعلت تميد وتضطرب ، فخلق الجبال عليها فاستقرت ، فعجبت الملائكة من شدة الجبال . قالوا يا رب هل من خلقك شئ أشد من الجبال ؟ قال نعم ، الحديد . قالوا يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الحديد ؟ قال نعم النار . قالوا يا رب فهل من خلقك شئ أشد من النار ؟ قال نعم الماء ، قالوا يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الماء ؟ قال نعم الريح . قالوا يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الريح ؟ قال نعم ، ابن آدم إذا تصدق بصدقة بيمينه يخفيها عن شماله " . هذا ، ومن الآيات التى تشبه هذه الآية قوله - تعالى - { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ … } وقوله - تعالى - { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } ثم بين - سبحانه - نعما أخرى لما ألقاه فى الأرض فقال { وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } . أى وجعل فى الأرض { أنهارا } تجرى من مكان إلى آخر ، فهى تنبع فى مواضع . وتصب فى مواضع أخرى ، وفيها نفع عظيم للجميع ، إذ منها يشرب الناس والدواب والأنعام والنبات . وجعل فيها كذلك طرقا ممهدة ، يسير فيها السائرون من مكان إلى آخر . { لعلكم تهتدون } بتلك السبل إلى المكان الذى تريدون الوصول إليه . بدون تحير أو ضلال . وقد كرر القرآن الكريم هذا المعنى فى آيات كثيرة ، منها قوله تعالى - { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } والمراد بالعلامات فى قوله - تعالى - { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } الأمارات والمعالم التى يضعها الناس على الطرق بإلهام من الله - تعالى - للاهتداء بها عند السفر . والمراد بالنجم الجنس ، فيشمل كل نجم يهتدى به المسافر . أى ومن مظاهر نعمه - أيضا - ، أنه - سبحانه - جعل فى الأرض معالم وأمارات من جبال كبار ، وآكام صغار ، وغير ذلك ، ليهتدى بها المسافرون فى سفرهم ، وتكون عونا لهم على الوصول إلى غايتهم ، وبمواقع النجوم هم يهتدون فى ظلمات البر والبحر ، إلى الأماكن التى يبغون الوصول إليها . والضمير " هم " فى قوله { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } يشمل كل سالك فى ظلمات البر والبحر ، ويدخل فيه دخولا أوليا أهل مكة ، لأنهم كانوا كثيرى الأسفار للتجارة ، كما كانوا معروفين بالاهتداء فى سيرهم بمواقع النجوم . وقدم - سبحانه - المتعلق وهو { وبالنجم } للاهتمام به ، إذ أن الاهتداء بالنجوم ، أمر هام فى حياة المسافرين ولا سيما الذين يسافرون فى البحر . وعدل - سبحانه - عن الخطاب إلى الغيبة فى قوله { هم يهتدون } على سبيل الالتفات ، ليزداد الكلام طلاوة وانتباها إلى ما اشتمل عليه . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } وإلى هنا نرى السورة الكريمة ، التى هى سورة النعم ، قد حدثتنا فى بضع عشرة آية . عن ألوان متنوعة من نعم الله - تعالى - على عباده . حدثتنا عن نعمة الروح الذى يحيى القلوب الميتة وينقذها من الكفر والضلال . وحدثتنا عن نعمة خلق الإِنسان ، وخلق السماوات والأرض . وحدثتنا عن نعمة خلق الأنعام ، والخيل والبغال والحمير . وحدثتنا عن نعمة إنزال الماء من السماء ، وما يترتب على هذه النعمة من فوائد ومنافع . وحدثتنا عن نعمة تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم لمصلحة الإِنسان . وحدثتنا عن نعمة تسخير البحر وتذليله للانتفاع بخيراته . وحدثتنا عن كل ذلك وغيره . لكى يخلص الإِنسان عبادته لخالقه ، ولكى يطيعه حق الطاعة ، ويشكره عليها ، ويستعملها فيما خلقت له . وبعد أن حدثتنا السورة عن كل ذلك ، ساقت لنا جملة من صفات الله - تعالى - ووبخت المشركين على شركهم ، وأبطلته بأبلغ أسلوب ، ودعتهم إلى الدخول فى الدين الحق ، فقال - تعالى - { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } .