Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 30-32)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فقوله - سبحانه - { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً … } بيان لما رد به المؤمنون الصادقون ، على من سألهم عما أنزله الله - تعالى - على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . وهو معطوف على ما قبله ، للمقابلة بين ما قاله المتقون ، وما قاله المستكبرون . ووصفهم بالتقوى ، للاشعار بأن صيانتهم لأنفسهم عن ارتكاب ما نهى الله - تعالى - عنه ، وخوفهم منه - سبحانه - ومراقبتهم له ، كل ذلك حملهم على أن يقولوا هذا القول السديد . وكلمة { خيرا } مفعول لفعل محذوف أى أنزل خيرا . أى رحمة وبركة ونورا وهداية ، إذ لفظ { خيرا } من الألفاظ الجامعة لكل فضيلة . قال صاحب الكشاف فان قلت لم نصب هذا ورفع الأول ؟ . قلت فَصْلاً بين جواب المقر وجواب الجاحد ، يعنى أن هؤلاء لما سئلوا لم يتلعثموا وأطبقوا الجواب على السؤال بينا مكشوفا مفعولا للإِنزال ، فقالوا خيرا . أى أنزل خيرا . وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا هو أساطير الأولين وليس من الإِنزال فى شئ . وقوله - سبحانه - { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } جملة مستأنفة لبيان ما وعدهم به - تعالى - على أعمالهم الصالحة من أجر وثواب . أى هذه سنتنا فى خلقنا أننا نجازى الذين يعملون الصالحات بالجزاء الحسن الكريم ، دون أن نضيع من أعمالهم شيئا . وقوله { حسنة } صفة لموصوف محذوف أى مجازاة حسنة بسبب أعمالهم الصالحة . كما قال - تعالى - فى آية أخرى { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ثم بين - سبحانه - جزاءهم فى الآخرة فقال { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } . والمراد بدار المتقين الجنة ونعيمها . و { خير } صيغة تفضيل ، حذفت همزتها لكثرة الاستعمال على سبيل التخفيف ، كما قال ابن مالك @ وغالبا أغناهم خير وشر عن قولهم أخير منه وأشر @@ ونعم فعل ماض لإِنشاء المدح ، وهو ضد بئس . والمعنى ولدار الآخرة وما فيها من عطاء غير مقطوع ، خير لهؤلاء المتقين مما أعطيناهم فى الدنيا ، ولنعم دارهم هذه الدار . قال - تعالى - { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } ووصفها - سبحانه - بالآخرة ، لأنها آخر المنازل ، فلا انتقال عنها إلى دار أخرى ، كما قال - تعالى - { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } والمخصوص بالمدح محذوف لتقدم ما يدل عليه ، والتقدير ولنعم دار المتقين ، دار الآخرة . ثم وصف - سبحانه - ما أعده لهم من نعيم فقال { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } . والعدن الإِقامة الدائمة يقال عدن فلان ببلد كذا ، إذا توطن فيه وأقام دون أن يبرحه أى لهؤلاء المتقين جنات دائمة باقية ، يدخلونها بسرور وحبور ، تجرى من تحتها بساتينها وأشجارها الأنهار . { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين { كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } أى مثل هذا الجزاء الحسن ، يجزى الله - تعالى - عباده المتقين ، الذين جنبوا أنفسهم ما لا يرضيه . ثم حكى - سبحانه - ما تحييهم به الملائكة فقال { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ … } . أى هذا الجزاء الحسن لهؤلاء المتقين ، الذين تتوفاهم الملائكة ، أى تقبض أرواحهم ، حال كونهم { طيبين } أى مطهرين من دنس الشرك والفسوق والعصيان . { يقولون } أى الملائكة لهؤلاء المتقين عند قبض أرواحهم ، { سلام عليكم } أى أمان عليكم من كل شر ومكروه . { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أى بسبب ما قدمتموه من أعمال صالحة . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } هذا ، ولا تعارض بين قوله تعالى - { تتوفاهم الملائكة } وبين قوله فى آية أخرى { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ } وبين قوله فى آية ثالثة { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } لأن إسناد التوفى إلى ذاته - تعالى - ، باعتبار أن أحدا لا يموت إلا بمشيئته - تعالى - ، وإسناده إلى ملك الموت باعتباره هو المأمور بقبض الأرواح ، وإسناده إلى الملائكة باعتبارهم أعوانا له ، ولا تعارض - أيضا - بين قوله - تعالى - { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } وبين ما جاء فى الحديث الصحيح " لن يدخل أحدا عمله الجنة … " . لأن الأعمال الصالحة إنما هى أسباب عادية لدخول الجنة ، أما السبب الحقيقى فهو فضل الله - تعالى - ورحمته ، حيث قبل هذه الأعمال ، وكافأ أصحابها عليها . وبعد أن بينت السورة الكريمة جانبا من أقوال المتقين ، وبشرتهم بما يسرهم ويشرح صدورهم ، عادت مرة أخرى لتهديد الكافرين ، لعلهم يزدجرون أو يتذكرون ، فقال - تعالى - { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلـٰكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ … } .