Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 2-3)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والواو فى قوله - تعالى - { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ } ، استئنافية ، أو عاطفة على قوله { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ … } والمراد بالكتاب التوراة التى أنزلها الله - تعالى - على نبيه موسى - عليه السلام - والضمير المنصوب فى قوله { وجعلناه } يعود إلى الكتاب . وقوله { لبنى إسرائيل } متعلق بهدى . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } و { أن } فى قوله { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } يصح أن تكون زائدة وتكون الجملة مقولة لقول محذوف ، والمعنى وآتينا موسى الكتاب من أجل أن يكون هداية لبنى إسرائيل إلى الصراط المستقيم . وقلنا لهم لا تتخذوا غير الله - تعالى - وكيلا ، أى معبودا ، تفوضون إليه أموركم ، وتكلون إليه شئونكم ، فهو - سبحانه - { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } قال الإِمام الرازى ما ملخصه قرأ أبو عمرو { ألا يتخذوا } بالياء خبرا عن بنى إسرائيل وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب ، أى قلنا لهم لا تتخذوا . ويصح أن تكون { أن } ناصبة للفعل فيكون المعنى وجعلناه هدى لئلا تتخذوا … وأن تكون { أن } بمعنى أى التى للتفسير - أى هى مفسرة لما تضمنه الكتاب من النهى عن اتخاذ وكيل سوى الله - تعالى - . وقوله { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ … } منصوب على الاختصاص ، أو على النداء والمقصود بهذه الجملة الكريمة إثارة عزائمهم نحو الإِيمان والعمل الصالح ، وتنبيههم إلى نعمه - سبحانه - عليهم ، حيث جعلهم من ذرية أولئك الصالحين الذين آمنوا بنوح - عليه السلام - وحضهم على السير على منهاجهم فى الإِيمان والعمل الصالح ، فإن شأن الأبناء أن يقتدوا بالآباء فى التقوى والصلاح . والمعنى لا تتخذوا يا بنى إسرائيل معبودا غير الله - تعالى - ، فأنتم أبناء أولئك القوم الصالحين ، الذين آمنوا بنوح - عليه السلام - فأنجاهم الله - تعالى - مع نبيهم من الغرق . قال الآلوسى وفى التعبير بما ذكر إيماء إلى علة النهى من أوجه أحدها تذكيرهم بالنعمة فى إنجاء آبائهم . والثانى تذكيرهم بضعفهم وحالهم المحوج إلى الحمل والثالث أنهم أضعف منهم - أى من آبائهم - لأنهم متولدون عنهم وفى إيثار لفظ الذرية الواقعة على الأطفال والنساء فى العرف الغالب مناسبة تامة لما ذكر . وقوله { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } تذييل قصد به الثناء على نوح - عليه السلام - أى إن نوحا - عليه السلام - كان من عبادنا الشاكرين لنعمنا ، المستعملين لها فيما خلقت له ، المتوجهين إلينا بالتضرع والدعاء فى السراء والضراء . قال صاحب الكشاف فإن قلت قوله { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } ما وجه ملاءمته لما قبله ؟ . قلت كأنه قيل لا تتخذوا من دونى وكيلا ، ولا تشركوا بى ، لأن نوحا كان عبدا شكورا ، وأنتم مَنْ آمن به وحمل معه ، فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم ، ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم ، والثناء عليهم بأنهم أولاد المحمولين مع نوح - عليه السلام - فهم متصلون به ، فاستأهلوا لذلك الاختصاص … وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد دعتا إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - بأسلوب يرضى العقول السليمة ، والعواطف الشريفة . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك قضاءه العادل فى بنى إسرائيل وساق سنة من سننه التى لا تتخلف فى خلقه فقال - تعالى - { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً … } .