Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 78-81)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الإِمام الرازى ما ملخصه وفى نظم هذه الآيات مع ما قبلها وجوه ، الأول أنه - تعالى - لما قرر الإِلهيات والمعاد والنبوات ، أردفها بذكر الأمر بالطاعات . وأشرف الطاعات . بعد الإِيمان الصلاة فلهذا أمر بها . الثانى أنه - تعالى - لما قال { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا } أمره - تعالى - بالإِقبال على عبادته لكى ينصره عليهم … كما قال - تعالى - { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ … } وقوله - سبحانه - { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } أى داوم - أيها الرسول الكريم - على إقامة الصلاة ، من وقت زوالها وميلها عن وسط السماء لجهة الغرب . يقال دلكت الشمس تدلك - بضم اللام - إذا مالت وانتقلت من وسط السماء إلى ما يليه . ومادة { دلك } تدل على التحول والانتقال . ولذلك سمى الدلاك بهذا الاسم . لأن يده لا تكاد تستقر على مكان معين من الجسم . وتفسير دلوك الشمس هذا بمعنى ميلها وزوالها عن كبد السماء ، مروى عن جمع من الصحابة والتابعين منهم عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وأنس ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد . وقيل المراد بدلوك الشمس هنا غروبها . وقد روى ذلك عن على ، وابن مسعود ، وابن زيد . قال بعض العلماء والقول الأول عليه الجمهور ، وقالوا الصلاة التى أمر بها ابتداء من هذا الوقت ، هى صلاة الظهر ، وقد أيدوا هذا القول بوجوه منها ما روى " عن جابر أنه قال طعم عندى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ثم خرجوا حين زالت الشمس ، فقال صلى الله عليه وسلم هذا حين دلكت الشمس " . ومن الوجوه - أيضاً - النقل عن أهل اللغة ، فقد قالوا إن الدلوك فى كلام العرب الزوال ، ولذا قيل للشمس إذا زالت . دالكة . وقوله { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } أى إلى شدة ظلمته . قال القرطبى يقال غسق الليل غُسوقاً . وأصل الكلمة من السيلان . يقال غَسقت العين إذ سالت تغسق . وغسَق الجرح غسقانا ، أى سال منه ماء أصفر … وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته . وقال أبو عبيدة الغسق سواد الليل … " . والمراد من الصلاة التى تقام من بعد دلوك الشمس إلى غسق الليل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء . وقوله - تعالى - { وقرآن الفجر } معطوف على مفعول { أقم } وهو الصلاة . والمراد بقرآن الفجر صلاة الفجر . وسميت قرآناً ، لأن القراءة ركن من أركانها ، من تسمية الشئ باسم جزئه ، كتسمية الصلاة ركوعاً وسجوداً وقنوتاً . وقوله { إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } تنويه بشأن صلاة الفجر ، وإعلاء من شأنها . أى داوم - أيها الرسول الكريم - على أداء صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وداوم على صلاة الفجر - أيضاً - فإن صلاتها مشهودة من الملائكة ومن الصالحين من عباد الله - عز وجل - . قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه وقد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواترا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإِسلام اليوم ، مما تلقوه خلفاً عن سلف ، وقرنا بعد قرن . روى البخارى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد ، خمس وعشرون درجة ، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار فى صلاة الفجر " . يقول أبو هريرة اقرأوا إن شئتم { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً … } . وقال الإِمام الفخر الرازى " وفى الآية احتمال ، وهو أن يكون المراد من قوله - تعالى - { إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } الترغيب فى أن تؤدى هذه الصلاة بالجماعة . ويكون المعنى إن صلاة الفجر مشهودة بالجماعة الكثيرة " . وقوله - سبحانه - { وَمِنَ ٱلَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } إرشاد إلى عبادة أخرى من العبادات التى تطهر القلب ، وتسمو بالنفس إلى مراقى الفلاح ، وتعينها على التغلب على الهموم والآلام . والجار والمجرور { ومن الليل } متعلق بقوله { فتهجد } أى . تهجد بالقرآن بعض الليل . أو متعلق بمحذوف تقديره وقم قومة من الليل فتهجد ، و { من } للتبعيض . قال الجمل " والمعروف فى كلام العرب أن الهجود عبارة عن النوم بالليل . يقال هجد فلان ، إذا نام بالليل . ثم لما رأينا فى عرف الشرع أنه يقال لمن انتبه بالليل من نومه وقام إلى الصلاة أنه متهجد ، وجب أن يقال سمى ذلك متهجدا من حيث أنه ألقى الهجود . فالتهجد ترك الهجود وهو النوم … " . والضمير فى { به } يعود إلى القرآن الكريم ، المذكور فى قوله - تعالى - { وقرآن الفجر } ، إلا أنه ذكر فى الآية السابقة بمعنى الصلاة ، وذكر هنا بمعناه المشهور ، ففى الكلام ما يسمى فى البلاغة بالاستخدام . والنافلة الزيادة على الفريضة ، والجمع نوافل . يقال تنفل فلان على أصحابه ، إذا أخذ زيادة عنهم . أى واجعل - أيها الرسول الكريم - جانباً من الليل ، تقوم فيه ، لتصلى صلاة زائدة على الصلوات الخمس التى فرضها الله - تعالى - عليك وعلى أمتك . قال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } قالوا وقيام الليل كان واجباً فى حقه صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة ، زيادة على الصلاة المفروضة . أخرج البيهقى فى سننه عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث هن على فرائض ، وهن لكم سنة الوتر ، والسلوك ، وقيام الليل " . ومن العلماء من يرى أن قيام الليل كان مندوباً فى حقه صلى الله عليه وسلم كما هو الشأن فى أمته ، ومعنى { نافلة لك } أى زيادة فى رفع درجاتك ، فإن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، أما غيرك فقد شرعنا له النافلة تكفيراً لخطاياه . وقوله - عز وجل - { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } بيان لما يترتب على أدائه للصلوات بخشوع وخضوع ، من سمو فى المكانة ، ورفعة فى الدرجة . وكلمة عسى فى كلام العرب تفيد التوقع ، أما فى كلام الله - تعالى - فتفيد الوجوب والقطع . قال الجمل " اتفق المفسرون على أن كلمة { عسى } من الله - تعالى - تدخل فيما هو قطعى الوقوع ، لأن لفظ عسى يفيد الإِطماع ، ومن أطمع إنسانا فى شئ ، ثم حرمه ، كان عارا عليه والله - تعالى - أكرم من أن يطمع أحداً ثم لا يعطيه ما أطمعه فيه " . أى داوم أيها الرسول الكريم على عبادة الله وطاعته لنبعثك يوم القيامة ونقيمك مقاماً محموداً ، ومكاناً عالياً ، يحمدك فيه الخلائق كلهم . والمراد بالمقام المحمود هنا ، هو مقام الشفاعة العظمى يوم القيامة . ليريح الناس من الكرب الشديد ، فى موقف الحساب . وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث فى هذا منها ما أخرجه البخارى عن ابن عمر قال إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثاً - جمع جثوة كخطوة وخطا - أى جماعات - كل أمة تتبع نبيها ، يقولون يا فلان اشفع ، يا فلان اشفع ، حتى تنتهى الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله مقاما محموداً " . وروى الإِمام أحمد والترمذى عن أبى بن كعب عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان يوم القيامة ، كنت إمام الأنبياء وخطيبهم . وصاحب شفاعتهم غير فخر " . " وروى ابن جرير عن أبى هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله - تعالى - { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } فقال " هو المقام الذى أشفع لأمتى فيه " . وقال الآلوسى والمراد بذلك المقام ، مقام الشفاعة العظمى فى فصل القضاء حيث لا أحد إلا وهو تحت لوائه صلى الله عليه وسلم ، فقد أخرج البخارى وغيره عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن ، فبينما هم كذلك ، استغاثوا بآدم ، فيقول لست بصاحب ذلك ، ثم موسى فيقول كذلك . ثم محمد فيشفع فيقضى الله - تعالى - بين الخلق ، فيمشى صلى الله عليه وسلم حتى يأخذ بحلقة باب الجنة ، فيومئذ يبعثه الله - تعالى - مقاماً محموداً ، يحمده أهل الجمع كلهم " . ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يكثر من اللجوء إليه عن طريق الدعاء ، بعد أن أمره بذلك عن طريق المداومة على الصلاة ، فقال - تعالى - { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } . والمدخل والمخرج - يضم الميم فيهما - مصدران بمعنى الإِدخال والإِخراج ، فهما كالمجرى والمرسى وإضافتهما إلى الصدق من إضافة الموصوف لصفته . قال الآلوسى واختلف فى تعيين المراد من ذلك ، فأخرج الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم ، أن المراد بالإِدخال دخول المدينة ، وبالإِخراج الخروج من مكة ، ويدل عليه ما أخرجه أحمد ، والطبرانى ، والترمذى وحسنه ، والحاكم وصححه ، وجماعة ، عن ابن عباس قال كان النبى صلى الله عليه وسلم بمكة ، ثم أمر بالهجرة ، فأنزل الله - تعالى - عليه هذه الآية . وبدأ بالإِدخال لأنه الأهم … ثم قال والأظهر أن المراد إدخاله - عليه الصلاة والسلام - إدخالاً مرضياً فى كل ما يدخل فيه ويلابسه من مكان أو أمر ، وإخراجه - من كل ما يخرج منه خروجاً مرضياً - كذلك - ، فتكون الآية عامة فى جميع الموارد والمصادر … " . ويبدو لنا أن المعنى الذى أشار إليه الآلوسى - رحمه الله - بأنه الأظهر ، هو الذى تسكن إليه النفس ، ويدخل فيه غيره دخولاً أوليا ، ويكون المعنى وقل - أيها الرسول الكريم - متضرعاً إلى ربك يا رب أدخلنى إدخالاً مرضياً صادقاً فى كل ما أدخل فيه من أمر أو مكان ، وأخرجنى كذلك إخراجاً طيباً صادقاً من كل أمر أو مكان . والمراد بالسلطان فى قوله - تعالى - { وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } الحجة البينة الواضحة التى تقنع العقول ، والقوة الغالبة التى ترهب المبطلين . أى واجعل لى - يا إلهى - من عندك حجة تنصرنى بها على من خالفنى ، وقوة تعيننى بها على إقامة دينك ، وإزالة الشرك والكفر . وقد وضح صاحب الكشاف هذا المعنى فقال قوله { وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } أى حجة تنصرنى على من خالفنى ، أو ملكاً وعزاً قوياً ناصراً للإِسلام على الكفر ، مظهراً له عليه ، فأجيبت دعوته بقوله { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } { فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } ووعده لينزعن ملك فارس والروم فيجعله له . " وعنه صلى الله عليه وسلم أنه استعمل " عتاب بن أسيد " على أهل مكة وقال انطلق فقد استعملتك على أهل الله ، فكان شديداً على المريب . ليناً على المؤمن ، وقال لا والله لا أعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة فى جماعة إلا ضربت عنقه ، فإنه لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق . فقال أهل مكة يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله " عتاب بن أسيد " أعرابياً جافياً . فقال صلى الله عليه وسلم " إنى رأيت فيما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة ، فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالاً شديداً ، حتى فتح له فدخلها ، فأعز الله به الإِسلام لنصرته المسلمين على من يريد ظلمهم ، فذلك السلطان النصير " " . وقال ابن كثير - بعد أن ساق بعض الأقوال فى معنى الآية الكريمة - قوله { وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } قال الحسن البصرى فى تفسيرها وعده ربه لينزعن ملك فارس والروم وليجعلنه له . وقال قتادة فيها إن نبى الله علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان . فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله . ولحدود الله ، ولفرائض الله ، ولإِقامة دين الله ، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده ، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم … ثم قال ابن كثير واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة ، وهو الأرجح ، لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه ، ولهذا يقول - تعالى - { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ … } وفى الحديث " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " أى ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ، ما لا يمتنع كثير من الناس عن ارتكابه بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد ، والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع " . وفى قوله - تعالى - { وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ } تصوير بديع لشدة القرب والاتصال بالله - تعالى - واستمداد العون منه - سبحانه - مباشرة ، واللجوء إلى حماه بدون وساطة من أحد . ثم بشره - سبحانه - بأن النصر له آت لا ريب فيه فقال - تعالى - { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } . والحق فى لغة العرب الشئ الثابت الذى ليس بزائل ولا مضمحل . والباطل على النقيض منه . والمراد بالحق هنا حقائق الإِسلام وتعاليمه التى جاء بها النبى صلى الله عليه وسلم من عند ربه - عز وجل - . والمراد بالباطل الشرك والمعاصى التى ما أنزل الله بها من سلطان ، والمراد بزهوقه ذهابه وزواله . يقال فلان زهقت روحه ، إذا خرجت من جسده وفارق الحياة . أى وقل - أيها الرسول الكريم - على سبيل الشكر لربك ، والاعتراف له بالنعمة ، والاستبشار بنصره ، قل جاء الحق الذى أرسلنى به الله - تعالى - وظهر على كل ما يخالفه من شرك وكفر ، وزهق الباطل ، واضمحل وجوده وزالت دولته ، إن الباطل كان زهوقاً ، أى كان غير مستقر وغير ثابت فى كل وقت . كما قال - تعالى - { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } وكما قال - سبحانه - { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ … } وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآية أحاديث منها ما أخرجه الشيخان عن ابن مسعود - رضى الله عنه - قال " دخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة - عند فتحها - وحول البيت ستون وثلثمائة صنم . فجعل يطعنها بعود فى يده ويقول { جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } " . وأخرج ابن أبى شيبة وأبو يعلى وابن المنذر عن جابر قال " دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبت على وجهها . وقال { جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } " . وقال القرطبى فى هذه الآية دليل على كسر نُصُب المشركين ، وجميع الأوثان إذا غلب عليهم ، ويدخل بالمعنى كسر آلة الباطل كله ، وما لا يصلح إلا لمعصية الله كالطنابير والعيدان والمزامير التى لا معنى لها إلا اللهو بها عن ذكر الله تعالى … وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد أمرت المسلمين فى شخص نبيهم صلى الله عليه وسلم بالمداومة على كل ما يقربهم من الله - تعالى - ، ولا سيما الصلاة التى هى صلة بين العبد وربه ، وبشرت النبى صلى الله عليه وسلم بمنحه المقام المحمود من ربه - عز وجل ، وبأن ما معه من حق وصدق ، سيزهق ما مع أعدائه من باطل وكذب ، فإن سنة الله - تعالى - قد اقتضت أن تكون العاقبة للمتقين . ثم مدح - سبحانه - القرآن الكريم الذى أنزله على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبين أحوال الإِنسان فى حالتى اليسر والعسر ، والرخاء والشدة ، وأن كل إنسان يعمل فى هذه الدنيا على حسب طبيعته ونيته وميوله ، فقال - تعالى - { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } .