Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 90-93)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات رواية طويلة ملخصها " أن نفرا من زعماء قريش اجتمعوا عند الكعبة ، وطلبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءهم ، فقالوا له يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك ، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ! ! لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين . وسفهت الأحلام ، وشتمت الآلهة … فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب مالاً ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تطلب شرفا فينا ، سودناك علينا ، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا … فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بى شئ مما تقولون ، ولكن الله بعثنى إليكم رسولاً ، وأنزل على كتاباً ، وأمرنى أن أكون بشيراً ونذيراً ، فبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ، فإن تقبلوا منى فهو حظكم من الدنيا والآخرة ، وإن تردوه على أصبر لأمر الله - تعالى - حتى يحكم بينى وبينكم . فقالوا له يا محمد فإن كنت صادقاً فيما تقول ، فسل لنا ربك الذى بعثك ، فليسير عنا هذا الجبل الذى قد ضيق علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، ويفجر فيها الأنهار ، ويبعث من مضى من آبائنا ، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل … وسله أن يبعث معك ملكا يصدقك ، واسأله أن يجعل لك جنانا وقصوراً أو كنوزاً من ذهب وفضة . تعينك على معاشك . فقال صلى الله عليه وسلم ما بعثت بهذا . فقالوا فأسقط السماء - كما زعمت - علينا كسفا … وقال أحدهم لا أومن بك أبداً ، حتى تتخذ لك سلماً إلى السماء ترقى فيه ، ونحن ننظر إليك … فانصرف صلى الله عليه وسلم عنهم حزيناً ، لما رأى من تباعدهم عن الهدى ، فأنزل الله عليه هذه الآيات تسلية له … " . والمعنى وقال المشركون الذين لا يرون لقاءنا لرسولنا صلى الله عليه وسلم يا محمد { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ } ونتبعك فيما تدعونا إليه . { حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } أى حتى تخرج لنا من أرض مكة القليلة المياه ، { ينبوعاً } أى عينا لا ينضب ماؤها ولا يغور . يقال نبع الماء من العين ينبع - بتثليث الباء فيهما - إذا خرج وظهر وكثر . وقرأ بعض السبعة { تفجر } بالتخفيف - من باب نصر - وقرأ البعض الآخر { تفجر } بتشديد الجيم ، من فجر بالتشديد ، والتضعيف للتكثير . والتعريف فى لفظ { الأرض } للعهد ، لأن المراد بها أرض مكة . وعبر بكلمة { ينبوعاً } للإِشعار بأنهم لا يريدون من الماء ما يكفيهم فحسب ، وإنما هم يريدون ماء كثيراً لا ينقص فى وقت من الأوقات ، إذ الياء زائدة للمبالغة ، وقوله - سبحانه - { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } بيان لاقتراح آخر من مقترحاتهم السخيفة . والمعنى أو تكون لك بصفة خاصة يا محمد ، { جنة } أى حديقة ملتفة الأغصان ، مشتملة على الكثير من أشجار النخيل والأعناب تجرى الأنهار فى وسطها جريا عظيماً هائلاً … وخصوا النخيل والأعناب بالذكر - كما حكى القرآن عنهم - ، لأن هذين الصنفين يعتبران من أهم الثمار عندهم ، ولأنهما على رأس الزروع المنتشرة فى أراضيهم ، والتى لها الكثير من الفوائد . وقوله { خلالها } منصوب على الظرفية ، لأنه بمعنى وسطها وبمعنى ثناياها . والتنوين فى قوله { تفجيرا } للتكثير ، أى تفجيرا كثيرا زاخرا ، بحيث تكون تلك الجنة الخاصة بك ، غنية بالمياه التى تنفعها وترويها . وقوله - عز وجل - { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً … } اقتراح ثالث من مقترحاتهم الفاسدة . ولفظ { كسفا } أى قطعاً جمع كسفة - بكسر الكاف وسكون الشين ، يقال كسفت الثوب أى قطعته وهو حال من السماء ، والكاف فى قوله { كما } صفة لموصوف محذوف . والمعنى أو تسقط أنت علينا السماء إسقاطا مماثلاً لما هددتنا به ، من أن فى قدرة ربك - عز وجل - أن ينزل علينا عذاباً متقطعاً من السماء . ولعلهم يعنون بذلك قوله - تعالى - { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ … } وقيل يعنون بذلك ، أنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه السماء ، فعجل لنا ذلك فى الدنيا ، وأسقطها علينا ، كما حكى عنهم القرآن ذلك فى قوله - تعالى - { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ … } فهم يتعجلون العذاب ، والرسول صلى الله عليه وسلم ، يرجو لهم من الله - تعالى - الرحمة والهداية وتأخير العذاب عنهم ، لعله - سبحانه - أن يخرج من أصلابهم من يخلص له العبادة والطاعة . وقوله - تعالى - { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } تسجيل لمطلب رابع من مطالبهم القبيحة . قال الآلوسى { قبيلا } أى مقابلاً ، كالعشير والمعاشر ، وأرادوا - كما جاء عن ابن عباس - عِياناً . وهذا كقولهم { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } وفى رواية أخرى عنه وعن الضحاك تفسير القبيل بالكفيل ، أى كفيلا بما تدعيه . يعنون شاهدا يشهد لك بصحة ما قلته . وهو على الوجهين حال من لفظ الجلالة … وعن مجاهد القبيل الجماعة كالقبيلة ، فيكون حالاً من الملائكة - أى أو تأتى بالله وبالملائكة قبيلة قبيلة . ثم حكى - سبحانه - بقية مطالبهم التى لا يقرها عقل سليم فقال { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } . أى من ذهب ، والزخرف ، يطلق فى الأصل على الزينة ، وأطلق هنا على الذهب لأن الذهب أثمن ما يتزين به فى العادة . { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ } أى تصعد إليها . يقال رقى فلان فى السلم يرقى رقيا ورقيا أى صعد ، { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ } وصعودك إليها مع مشاهدتنا لذلك { حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا } منها { كتاباً نقرؤه } ونفهم ما فيه ، أى يكون هذا الكتاب بلغتنا التى نفهمها وبأسلوب مخاطباتنا ، وفيه ما يدل دلالة قاطعة على أنك رسول من عند الله - تعالى - ، وما يدعونا إلى الإِيمان بك . ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات ، بأن أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم بما يخرس ألسنتهم ، فقال { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } . أى قل - أيها الرسول الكريم - على سبيل التعجب من سوء تفكير هؤلاء الجاحدين يا سبحان الله هل أنا إلا بشر كسائر البشر ، ورسول كسائر الرسل ، وليس من شأن من كان كذلك أن يأتى بتلك المطالب المتعنتة التى طلبتموها ، وإنما من شأنه أن يبلغ ما أمره الله بتبليغه من هدايات . تخرج الناس من ظلمات الكفر والجهل . إلى نور الإِيمان والعلم . فالاستفهام فى قوله { هل كنت … } للنفى ، أى ما كنت إلا رسولاً كسائر الرسل ، وبشراً مثلهم . وقوله { سبحان ربى } يفيد التعجيب من فرط حماقتهم ، ومن بالغ جهلهم ، حيث طلبوا تلك المطالب ، التى تضمنت ما يعتبر من أعظم المستحيلات ، كطلبهم إتيان الله - عز وجل - والملائكة إليهم ، ورؤيتهم لذاته - سبحانه - ، على سبيل المعاينة والمقابلة . وهذا التعنت والعناد الذى حكاه الله - تعالى - عن هؤلاء الجاحدين ، قد جاء ما يشبهه فى آيات أخرى . كما جاء ما يدل على أنهم حتى لو أعطاهم الله - تعالى - مطالبهم . لما آمنوا ، ومن ذلك قوله - تعالى - { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } وقوله - سبحانه - { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } وقوله - عز وجل - { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك شبهة من شبهاتهم الفاسدة والمتعددة ، وهى زعمهم أن الرسول لا يكون من البشر بل يكون ملكاً . وقد أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم بما يبطل مدعاهم فقال { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً … } .