Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 22-22)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى سيختلف - الناس فى عدة أصحاب الكهف - أيها الرسول الكريم - فمن الناس من سيقول إن عدتهم ثلاثة رابعهم كلبهم ، ومنهم من يقول إنهم خمسة سادسهم كلبهم . فالضمير فى قوله { سيقولون } وفى الفعلين بعده . يعود لأولئك الخائضين فى قصة أصحاب الكهف وفى عددهم ، على عهد النبى صلى الله عليه وسلم . قال الجمل قيل إنما أتى بالسين فى هذا لأن فى الكلام طيا وإدماجا تقديره فإذا أجبتهم عن سؤالهم عن قصة أهل الكهف ، فسلهم عن عددهم فإنهم سيقولون ثلاثة . ولم يأت بها فى بقية الأفعال ، لأنها معطوفة على ما فيه السين فأعطيت حكمه من الاستقبال . وقال صاحب الكشاف ، فإن قلت لماذا جاء بسين الاستقبال فى الأول دون الآخرين ؟ . قلت فيه وجهان أن تدخل الآخرين فى حكم السين ، كما تقول قد أكرم وأنعم . تريد معنى التوقع فى الفعلين جميعا ، وأن تريد بيفعل معنى الاستقبال الذى هو صالح له . وقوله ، ثلاثة . خبر لمبتدأ محذوف ، أى هم ثلاثة . وقوله - تعالى - { رجما بالغيب } رد على القائلين بأنهم ثلاثة رابعهم كلبهم ، وعلى القائلين بأنهم خمسة سادسهم كلبهم . وأصل الرجم الرمى بالحجارة ، والمراد به هنا القول بالظن والحدس والتخمين بدون دليل أو برهان . قال صاحب الكشاف قوله " { رجما بالغيب } ، أى رميا بالخبر الخفى وإتيانا به . كقوله { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أى يأتون به . أو وضع الرجم ، موضع الظن فكأنه قيل ظنا بالغيب . لأنهم أكثروا أن يقولوا رجم بالظن ، مكان قولهم ظن . حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين . ألا ترى إلى قول زهير وما هو عنها بالحديث المرجم … أى المظنون " . وقوله { رجما } منصوب بفعل مقدر . والباء فى { بالغيب } للتعدية . أى يرمون رميا بالخبر الغائب عنهم ، والذى لا اطلاع لهم على حقيقته ، شأنهم فى ذلك شأن من يرمى بالحجارة التى لا تصيب المرمى المقصود . ثم حكى - سبحانه - القول الذى هو أقرب الأقوال إلى الصواب فقال { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } . أى وبعض الناس - وهم المؤمنون - يقولون إن عدد أصحاب الكهف سبعة أفراد وثامنهم كلبهم . قال ابن كثير - يقول - تعالى - مخبرا عن اختلاف الناس فى عدة أصحاب الكهف . فحكى ثلاثة أقوال ، فدل على أنه لا قائل برابع . ولما ضعف القولين الأولين بقوله { رجما بالغيب } . أى قول بلا علم ، كمن يرمى إلى مكان لا يعرفه ، فإنه لا يكاد يصيب . وإذا أصاب فبلا قصد ، ثم حكى الثالث وسكت عليه أو قرره بقوله { وثامنهم كلبهم } دل على صحته ، وأنه هو الواقع فى نفس الأمر . وقال الآلوسى ما ملخصه والجملة الواقعة بعد العدد فى قوله - تعالى - { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } فى موضع الصفة له ، والواو الداخلة على الجملة الواقعة صفة للنكرة ، كما تدخل فى الواقعة حالا عن المعرفة فى قولك جاءنى رجل ومعه آخر ، ومررت بزيد وفى يده سيف ، ومنه قوله - تعالى - { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف ، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر وهى التى أذنت هنا بأن قائلى ما ذكر ، قالوه عن ثبات علم ، وطمأنينة نفس ، ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم فهو الحق دون القولين الأولين … ثم أمر الله - تعالى - النبى صلى الله عليه وسلم أن يخبر الخائضين فى عدة أصحاب الكهف ، بما يقطع التنازع الذى دار بينهم فقال { قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم } . أى قل - أيها الرسول الكريم - لمن خاضوا فى عدة أصحاب الكهف ربى - عز وجل - أقوى علما منكم بعدتهم - أيها المتنازعون ، فإنكم إن علمتم عنهم شيئا علما ظنيا . فإن علم ربى بهم هو علم تفصيلى يقينى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها . ثم أثبت - سبحانه - علم عددهم لقليل من الناس فقال { مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ } أى ما يعلم عدة أصحاب الكهف إلا عدد قليل من الناس . ولا تعارض بين هذه الجملة وبين سابقتها ، لأن علم هذا العدد القليل من الناس بعدة أصحاب الكهف ، هو علم إجمالى ظنى … أما علم الله - تعالى - فهو علم تفصيلى يقينى شامل لجميع الأزمنة . فضلا عن أن علم هؤلاء القلة من الناس بعدة أصحاب الكهف ، نابع من إعلام الله - تعالى - لهم عن طريق الوحى كالرسول صلى الله عليه وسلم أو من يطلعه الرسول صلى الله عليه وسلم على عدتهم . قال ابن عباس - رضى الله عنهما - أنا من أولئك القليل ، كانوا سبعة ، ثم ذكر أسماءهم . ثم نهى الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم عن الجدال المتعمق فى شأنهم ، كما نهاه عن استفتاء أحد فى أمرهم فقال - تعالى - { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً } . والمراء هو الجدال والمحاجة فيما فيه مرية ، أى تردد . مأخوذ من مريت الناقة إذا كررت مسح ضرعها للحلب . والاستفتاء طلب الفتيا من الغير . والفاء فى قوله { فلا تمار } للتفريع . أى إذا كان الشأن كما أخبرناك عن حال أصحاب الكهف ، فلا تجادل فى أمرهم أحداً من الخائضين فيه إلا جدالا واضحا لا يتجاوز حدود ما قصصناه عليك - أيها الرسول الكريم - ولا تطلب الفتيا فى شأنهم من أحد ، لأن ما قصصناه عليك من خبرهم ، يغنيك عن السؤال . وعن طلب الإِيضاح من أهل الكتاب أو من غيرهم . ثم نهى الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم عن الإِخبار عن فعل شئ فى المستقبل إلا بعد تقديم مشيئة الله - عز وجل - فقال { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً … } .