Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 42-44)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أى وكانت نتيجة جحود صاحب الجنتين لنعم ربه ، أن أهلكت أمواله وأبيدت كلها . فصار يقلب كفيه ظهراً لبطن أسفا وندما ، على ما أنفق فى عمارتها وتزيينها من أموال كثيرة ضاعت هباء ، ومن جهد كبير ذهب سدى . وقوله - سبحانه - { وأحيط بثمره } معطوف على مقدر محذوف لدلالة السباق والسياق عليه . وأصل الإِحاطة مأخوذة من إحاطة العدو بعدوه من جميع جوانبه لإِهلاكه واستئصاله . والمعنى فحدث ما توقعه الرجل الصالح من إرسال الحسبان على بستان صاحبه الجاحد المغرور { وأحيط بثمره } بأن هلكت أمواله وثماره كلها . وجاء الفعل { أحيط } مبنيا للمجهول ، للإِشعار بأن فاعله متيقن وهو العذاب الذى أرسله الله - تعالى - أى وأحاط العذاب بجنته . وقوله { فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا } تصوير بديع لما اعتراه من غم وهم وحسرة وندامة . وتقليب اليدين عبارة عن ضرب إحداهما على الأخرى ، أو أن يبدى ظهرهما ثم بطنهما ويفعل ذلك مرارا ، وأيَّامَّا كان ففعله هذا كناية عن الحسرة الشديدة ، والندم العظيم . " وهى " أى الجنة التى أنفق فيها ما أنفق { خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أى ساقطة ومتهدمة على دعائمها وعلى سقوفها . وأصل الخواء السقوط والتهدم . يقال خوى البيت إذا سقط . كما يطلق على الخلاء من الشئ . يقال خوى بطن فلان من الطعام أى خلا منه ، وخوت الدار إذا خلت من سكانها . والعروش جمع عرش ، وهو سقف البيت . والمقصود أن الجنة بجميع ما اشتملت عليه ، صارت حطاما وهشيما تذروه الرياح . وجملة { وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } معطوفة على جملة { يقلب كفيه … } . أى صار يقلب كفيه حسرة وندامة لهلاك جنته ، ويقول زيادة فى الحسرة والندامة يا ليتنى اتبعت نصيحة صاحبى فلم أشرك مع ربى - سبحانه - أحدا فى العبادة أو الطاعة . وهكذا حال أكثر الناس ، يذكرون الله - تعالى - عند الشدائد والمحن ، وينسونه عند السراء والعافية . والمتدبر لهذه الآية الكريمة يراها قد صورت فجيعة الرجل الجاحد فى جنته تصويرا واقعيا بديعا . فقد جرت عادة الإِنسان أنه إذا نزل به ما يدهشه ويؤلمه . أن يعجز عن النطق فى أول وهلة . فإذا ما أفاق من دهشته بدأ فى النطق والكلام . وهذا ما حدث من ذلك الرجل - كما صوره القرآن الكريم - فإنه عندما رأى جنته وقد تحطمت أخذ يقلب كفيه حسرة وندامة دون أن ينطق ، ثم بعد أن أفاق من صدمته جعل يقول يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا . فيا له من تصوير بديع . يدل على أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - . ثم ختم - سبحانه - هذه القصة ببيان عظيم قدرته ونفاذ إرادته فقال . { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } . أى ولم تكن لهذا الجاحد المغرور بعد أن خوت جنته على عروشها ، عشيرة ، أو أعوان ينصرونه ، أو يدفعون عنه ما حل به ، وإنما القادر على ذلك هو الله - تعالى - وحده ، وما كان هذا الرجل الذى جحد نعم ربه منتصرا لأنه - سبحانه - قد حجب عنه كل وسيلة تؤدى إلى نصره وعونه ، بسبب إيثاره الغى على الرشد ، والكفر على الإِيمان . فالآية الكريمة تبين بجلاء ووضوح ، عجز كل قوة عن نصرة ذلك الرجل المخذول سوى قوة الله - عز وجل - ، وعجز ذلك الرجل فى نفسه عن رد انتقام الله - تعالى - منه . وقوله - سبحانه - { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ … } تقرير وتأكيد للآية السابقة . ولفظ هنالك ظرف مكان . وكلمة { الولاية } قرأها الجمهور بفتح الواو ، بمعنى الموالاة والصلة والنصرة كما قرأ الجمهور كلمة { الحق } بالجر على أنها نعت للفظ الجلالة . فيكون المعنى فى ذلك المقام وتلك الحال تكون الولاية - أى الموالاة والصلة - من كل الناس ، لله - تعالى - وحده إذ الكافر عندما يرى العذاب يعترف بوحدانية الله - تعالى - كما قال - سبحانه - { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } ويجوز أن يكون المعنى فى ذلك المقام وتلك الحال تكون الولاية أى الموالاة لله - تعالى - وحده . فيوالى المؤمنين برحمته ومغفرته وينصرهم على أعدائهم . كما قال - سبحانه - { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } وقرأ حمزة والكسائى { الولاية } بكسر الواو ، بمعنى الملك والسلطان كما قرأ أبو عمرو والكسائى لفظ { الحق } بالرفع على أنه نعت للولاية . فيكون المعنى فى ذلك المقام تكون الولاية الحق ، والسلطان الحق ، لله رب العالمين ، كما قال - سبحانه - { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } قال بعض العلماء وقوله { هنالك } يرى بعضهم أنه متعلق بما بعده ، والوقف تام على قوله { وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } . ويرى آخرون أنه متعلق بما قبله . فعلى القول الأول يكون الظرف { هنالك } عامله ما بعده أى الولاية كائنة لله هنالك . وعلى القول الثانى فالعامل فى الظرف اسم الفاعل الذى هو { منتصرا } . أى لم يكن انتصاره واقعا هنالك . وقوله - سبحانه - { هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } أى هو - عز وجل - خير إثابة وإعطاء لأوليائه ، وخير عاقبة لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى . وعاقبة الأمر آخره وما يصير إليه منتهاه . و { ثوابا } و { عقبا } منصوبان على التمييز ، بعد صيغة التفضيل { خير } التى حذفت منها الهمزة تخفيفا لكثرة الاستعمال كما قال ابن مالك - رحمه الله - @ وغالبا أغناهم خير وشر عن قولهم أخير منه وأشر @@ وبذلك نرى أن هذه القصة التى ضربها الله - تعالى - مثلا للأخيار والأشرار قد بينت لنا بأسلوب بليغ أخاذ ، صور عاقبة الجاحدين المغرورين وحسن عاقبة الشاكرين المتواضعين ، كما بينت لنا الآثار الطيبة التى تترتب على الإِيمان والعمل الصالح ، والآثار السيئة التى يفضى إليها الكفر وسوء العمل ، كما بينت لنا أنّ المتفرد بالولاية والقدرة هو الله - عز وجل - فلا قوة إلا قوته ، ولا نصر إلا نصره ، ولا مستحق للعبادة أحد سواه ، ولا ثواب أفضل من ثوابه ولا عاقبة لأوليائه خير من العاقبة التى يقدرها لهم ، وصدق - سبحانه - حيث يقول { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } . ثم تنتقل السورة الكريمة من ضرب المثل الجزئى الشخصى ، إلى ضرب مثال آخر عام كلى ، فبينت أن الحياة الدنيا فى قصرها وذهاب زينتها … كتلك الجنة التى أصبحت حطاما ، بعد اخضرارها وكثرة ثمرها ، كما بينت أن هناك زينة فانية ، وأن هنالك أعمالا صالحة باقية قال - تعالى - { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } .