Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 12-15)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله - سبحانه - { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } مقول لقول محذوف ، والسر فى حذفه المسارعة إلى الإخبار بإنجاز الوعد الكريم . والتقدير وبعد أن ولد يحيى ، ونما وترعرع قلنا له عن طريق وحينا { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ } الذى هو التوراة { بِقُوَّةٍ } أى بجد واجتهاد ، وتفهم لمعناه على الوجه الصحيح ، وتطبيق ما اشتمل عليه من أحكام وآداب ، فإن بركة العلم فى العمل به . والجار والمجرور { بِقُوَّةٍ } حال من فاعل خذ وهو يحيى ، والباء للملابسة أى خذه حالة كونك ملتبساً بحفظه وتنفيذ أحكامه بشدة وثبات . وقوله { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } أى وأعطيناه بقدرتنا وفضلنا { ٱلْحُكْمَ } أى فهم الكتاب والعمل بأحكامه ، وهو فى سن الصبا . قيل كان سنه ثلاث سنين ، وقيل سبع سنين . قال الآلوسى " أخرج أبو نعيم ، وابن مردويه ، والديلمى ، عن ابن عباس ، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فى ذلك " أعطى الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين " . وقال الجمل فى حاشيته " فإن قلت كيف يصح حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا ؟ . قلت لأن أصل النبوة مبنى على خرق العادات . إذا ثبت هذا . فلا تمنع صيروة الصبى نبيا . وقيل أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير … والذى تطمئن إليه النفس وعليه جمهور المفسرين أن المراد بالحكم هنا العلم النافع مع العمل به ، وذلك عن طريق حفظ التوراة وفهمها وتطبيق أحكامها . قال ابن كثير { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } أى الفهم والعلم والجد والعزم ، والإقبال على الخير ، والإكباب عليه ، والاجتهاد فيه ، وهو صغير حدث . قال عبد الله بن المبارك قال معمر قال الصبيان ليحيى بن زكريا اذهب بنا نلعب ، فقال ما للعب خلقنا . قال فلهذا أنزل الله { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } . وقوله - تعالى - { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } معطوف على { ٱلْحُكْمَ } . أى وأعطيناه الحكم صبياً ، وأعطيناه حنانا … قال القرطبى ما ملخصه " الحنان ، الشفقة والرحمة والمحبة ، وهو فعل من أفعال النفس … وأصله من حنان الناقة على ولدها … قال طرفة @ أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض @@ والمعنى منحنا { يٰيَحْيَىٰ } الحكم صبيا ، ومنحناه من عندنا وحدنا رحمة عظيمة عليه ، ورحمة فى قلبه جعلته يعطف على غيره ، وأعطيناه كذلك زكاة أى طهارة فى النفس ، أبعدته عن ارتكاب ما نهى الله عنه ، وجعلته سباقاً لفعل الخير { وَكَانَ تَقِيّاً } أى مطيعاً لنا فى كل ما نأمره به ، أو ننهاه عنه . ثم أضاف - سبحانه - إلى تلك الصفات الكريمة ليحيى صفات أخرى فقال { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ } أى وجعلناه كثير البر بوالديه ، والإحسان إليهما . { وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً } أى مستكبرا متعاليا مغرورا { عَصِيّاً } أى ولم يكن ذا معصية ومخالفة لأمر ربه . ثم ختم - سبحانه - هذه الصفات ببيان العاقبة الحسنة التى ادخرها ليحيى - عليه السلام - فقال { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ } أى وتحية وأمان له منا يوم ولادته { وَيَوْمَ يَمُوتُ } ويفارق هذه الدنيا { وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } للحساب يوم القيامة . وخص - سبحانه - هذه الأوقات الثلاثة بالذكر ، لأنها أحوج إلى الرعاية من غيرها . قال سفيان بن عيينة أحوج ما يكون المرء فى ثلاثة مواطن يوم يولد فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه . ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم . ويوم يبعث فيرى نفسه فى محشر عظيم . وبعد هذا الحديث عن جانب من قصة زكريا ويحيى - عليهما السلام - ، انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن قصة أخرى أعجب من قصة ميلاد يحيى ، ألا وهى قصة مريم وميلادها لابنها عيسى - عليه السلام - فقال - تعالى - { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ … } .