Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 81-87)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضمير فى قوله { وَٱتَّخَذُواْ } يعود إلى أولئك الكافرين الذين ذكر القرآن فيما سبق بعض رذائلهم ودعاواهم الكاذبة ، ولما تنته بعد . أى واتخذ هؤلاء الجاهلون آلهة باطلة يعبدونها من دون الله - تعالى - لتكون لهم تلك الآلهة { عِزّاً } أى - لينالوا بها العزة والشفاعة والنصرة والنجاة من عذاب يوم القيامة . فقد حكى القرآن أنهم كانوا إذا سئلوا عن سبب عبادتهم لهذه الأصنام التى لا تنفع ولا تضر قالوا { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } وقالوا { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ … } وقد رد الله - تعالى - عليهم بما يردعهم عن هذا الظن لو كانوا يعقلون فقال { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } . و { كَلاَّ } لفظ جىء به لزجرهم وردعهم عن هذا الاتخاذ الفاسد الباطل . أى ليس الأمر كما توهم الجاهلون من أن أصنامهم ستكون لهم عزا ، بل الحق أن هذه المعبودات الباطلة ستكون عدوة لهم . وقرينتهم فى النار . وشبيه بهذه الآية قوله - تعال - { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } وقوله - سبحانه - { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } وأفرد - سبحانه - عزا وضدا مع أن المراد بهما الجمع . لأنهما مصدران ثم بين - عز وجل - أن هؤلاء الكافرين قد استحوذت عليهم الشياطين فزادتهم كفرا على كفرهم ، فقال - تعالى - { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } . والاستفهام للتقرير والتأكد و { تَؤُزُّهُمْ } تحركهم تحريكا قويا . وتهزهم هزا شديداً ، وتحرضهم على ارتكاب المعاصى والموبقات حتى يقعوا فيها . يقال أز فلان الشىء يئزه ويؤزه … بكسر الهمزة وضمها أزا ، إذا حركه بشدة ، وأز فلان فلانا ، إذا أغراه وهيجه وحثه على فعل شىء معين ، وأصله من أزت القدر تؤز أزيزا ، إذا اشتد غليان الماء فيها . والمعنى لقد علمت أنت وأتباعك أيها الرسول الكريم ، أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين ، وسلطناهم عليهم ، وقيضناهم لهم ، لكى يحضوهم على ارتكاب السيئات ، ويحركوهم تحريكا شديداً نحو الموبقات حتى يقترفوها وينغمسوا فيها … وما دام الأمر كذلك . فذرهم فى طغيانهم يعمهون ، ولا تتعجل وقوع العذاب بهم . فإن الله - تعالى - قد حدد - بمقتضى حكمته - وقتا معينا لنزول العذاب بهم . وقوله { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } تعليل لموجب النهى ببيان أن وقت هلاكهم قد اقترب ، إذ كل معدود له نهاية ينتهى عندها . قال القرطبى ما ملخصه قوله { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } يعنى الأيام والليالى والشهور والسنين إلى انتهاء أجل العذاب . . وقال الضحاك نعد أنفسهم وقال قطرب نعد أعمالهم عدا . روى أن المأمون قرأ هذه السورة فمر بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء فأشار برأسه إلى ابن السماك أن يعظه ، فقال إذا كانت الأنفاس بالعدد ، ولم يكن لها مدد ، فما أسرع ما تنفد ، وقيل فى هذا المعنى @ حياتك أنفاس تعد فكلما مضى نفس منك انتقصت به جزءا يميتك ما يحييك فى كل ليلة ويحدوك حاد ما يريد به الهزءا @@ وكان ابن عباس - رضى الله عنهما - إذا قرأ هذه الآية بكى وقال آخر العدد خروج نفسك . آخر العدد فراق أهلك آخر العدد دخول قبرك . ثم بين - سبحانه - عاقبة المتقين ، وعاقبة المجرمين يوم القيامة فقال { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } و { يَوْمَ } ظرف منصوب بقوله { لاَّ يَمْلِكُونَ … } . أى لا يملكون الشفاعة يوم نحشر المتقين … ويجوز أن يكون منصوبا بفعل محذوف تقديره اذكر أو احذر … وقوله { وَفْداً } جمع وافد . يقال وفد فلان على فلان يفد وفدا ووفودا ، إذا أقدم عليه ، وفعله من باب وعد . ويطلق الوفد على الجمع من الرجال الذين يفدون على غيرهم لأمر من الأمور الهامة ، وهم راكبون على دوابهم . وهذا الإطلاق هو المراد باللفظ هنا . والمعنى واذكر - أيها العاقل - يوم القيامة ، يوم نحشر المتقين إلى جنة الرحمن ، ودار كرامته راكبين على مراكب تنشرح لها النفوس وتسر لها القلوب . قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه يخبر الله - تعالى - عن أوليائه المتقين ، الذين خافوه فى الدار الدنيا ، واتبعوا رسله وصدقوهم ، أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه . والوفد هم القادمون ركبانا ومنه الوفود ، وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الآخرة . وهم قادمون على خير موفود إليه ، إلى دار كرامته ورضوانه . وقال ابن أبى حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج … عن ابن مرزوق قال يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها ، أطيبها ريحا ، فيقول نم أنت ؟ فيقول أما تعرفنى ؟ فيقول لا ، إلا أن الله - تعالى - طيب ريحك وحسن وجهك . فيقول أنا عملك الصالح … فهلم فاركبنى فذلك قوله { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } . وقوله - تعالى - { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } بيان لسوء عاقبة المجرمين بعد بيان ما أعده الله للمتقين من نعيم . و { وِرْداً } أى عطاشا . وأصل الورد الإتيان إلى الماء بقصد الارتواء منه بعد العطش الشديد . أى ونسوق المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم فى دنياهم ، نسوقهم سوقا إلى جهنم كما تساق البهائم . حالة كونهم عطاشا ، يبحثون عن الماء فلا يجدونه . والضمير فى قوله - تعالى - { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ … } يرى بعضهم أنه يعود إلى المجرمين فى قوله { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ … } . أى نسوق المجرمين إلى جهنم عطاشا ، حالة كونهم لا يملكون الشفاعة لغيرهم ، ولا يستحقون أن يشفع لهم غيرهم ، لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا وهم المؤمنون الصادقون فإنهم يملكون بتمليك الله - تعالى - لهم إياها وإذنه لهم فيها ، كما قال - تعالى - { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ … } وكما قال - سبحانه - { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } وعلى هذا التفسير يكون الاستثناء منقطعاً . قال القرطبى " قوله - تعالى - { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ } أى هؤلاء الكفار لا يملكون الشفاعة لأحد { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } وهم المسلمون فيملكونها ، فهو استثناء الشىء من غير جنسه . أى لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً يشفع ، فمن فى موضع نصب على هذا … ويرى آخرون أن الضمير فى قوله { لاَّ يَمْلِكُونَ … } يعود إلى فريقى المتقين والمجرمين . أى لا يملك أحد من الفريقين يوم القيامة الشفاعة لأحد ، ولا يملك غيرهم الشفاعة لهم ، { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ } منهم { عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } وهم المؤمنون فإنهم يملكون بإذن الله لهم . والمراد بالعهد الأمر والإذن ، يقال عهد الأمير إلى فلان بكذا ، إذا أمره به . أو أذن له فى فعله . وعلى هذا يكون الاستثناء متصلاً ، ويكون لفظ { مَنِ } بدل من الواو فى { يَمْلِكُونَ } . قال الآلوسى ما ملخصه " قوله { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ } ضمير الجمع يعم المتقين والمجرمين ، أى العباد مطلقاً … وقوله { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } اسثناء متصل … والمعنى لا يملك العباد أن يشفعوا لغيرهم ، إلا من اتصف منهم بما يستأهل معه أن يشفع وهو المراد بالعهد … " . ويبدو لنا أن هذا القول أولى ، لشموله وعمومه إذ الكلام السابق فى الفريقين جميعاً ، فريق المتقين وفريق المجرمين . ثم يستطرد السياق القرآنى ، إلى حكاية أقوال أخرى ، من أقوال الكافرين الباطلة ، وهى زعمهم أن لله - تعالى - ولدًا ، فقال - سبحانه - { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ … } .