Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 114-114)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يرى بعض المفسرين أن هذه الآية نزلت فى شأن الرومانيين الذين غزوا بيت المقدس وخربوه . ويرى آخرون أنها نزلت فى كفار قريش حين منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية . وكيفما كان سبب النزول ، فالآية تشمل بذمها ووعيدها ، كل من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها . ومن أسم استفهام يراد منه النفى ، أى لا أظلم . والمساجد جمع مسجد ، وهو المكان الخاص للعبادة ، مأخوذ من السجود ، وهو وضع الجبهة على الأرض خضوعاً لله وتعظيما . والظلم الاعتداء على حق الغير ، بالتصرف فيه بمالا يرضى به ، ويطلق على وضع الشىء فى غير ما يستحق أن يوضع فيه ، والمعنيان واضحان هنا . وذكر اسم الله كناية عما يؤدى فيها من العبادات ، إذ لا تكاد عبادة تخلو من ذكر اسمه - تعالى - والسعى فى الأصل المشى بسرعة فى معنى الطلب والعمل . والخراب ضد التعمير ، ويستعمل لمعنى تعطيل المكان وخلوه مما وضع له . قال القرطبى " وخراب المساجد قد يكون حقيقياً ، كتخريب بختنصر والرومان لبيت المقدس حيث قذفوا فيه القاذورات وهدموه . ويكون مجازاً كمنع المشركين حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام ، وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإِسلام فيها خراب لها " . والمعنى لا أحد أظلم ممن حال بين المساجد وبين أن يعبد فيها الله ، وعمل فى خرابها بالهدم كما فعل الرومان وغيرهم ببيت المقدس . أو بتعطيلها عن العبادة كما فعل كفار قريش ، فهو مفرط فى الظلم بالغ فيه أقصى غاية . قال صاحب الكشاف " فإن قلت فكيف قيل مساجد الله ، وإنما وقع المنع والتخريب على مسجد واحد هو بيت المقدس أو المسجد الحرام ؟ قلت لا بأس أن يجىء الحكم عاماً ، وإن كان السبب خاصاً ، كما تقول لمن آذى صالحاً واحداً ومن أظلم ممن آذى الصالحين ، كما قال - عز وجل - { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } والمنزول فيه هو الأخنس بن شريق " . وقوله - تعالى - { أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } معناه ما ينبغى لأولئك الذين يحولون بين المساجد وذكر الله ويسعون فى خرابها أن يدخلوها إلا خائفين من الله - تعالى - لمكانها من الشرف والكرامة بإضافتها إليه - تعالى - أو إلا خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم ، فضلا عن أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها . قال ابن كثير " وفى هذا بشارة من الله للمسلمين بأنه سيظهرهم على المسجد الحرام ، ويذل لهم المشركين حتى لا يدخل المسجد الحرام واحد منهم إلا خائفاً يخاف أن يؤخذ فيعاقب ، أو يقتل إن لم يسلم ، وقد أنجز الله هذا الوعد فمنع المشركين من دخول المسجد الحرام ، وذلك أنه بعد أن تم فتح مكة للمسلمين أمر النبى صلى الله عليه وسلم من العام القابل منادياً ينادى برحاب منى " ألا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته " . وعندما حج النبى صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع لم يجترئ . أحد من المشركين أن يحج أو أن يدخل المسجد الحرام . وهذا هو الخزى فى الدنيا لهم ، المشار إليه بقوله - تعالى - { لَّهُمْ فى ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } لأن الجزاء من جنس العمل . ثم ختم الآية الكريمة ببيان عاقبة هؤلاء الساعين فى خراب مساجد الله فقال - تعالى - { لَّهُمْ فى ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أى لهم فى الدنيا هوان وذلة بسبب ظلمهم وبغيهم ، ولهم فى الآخرة عذاب عظيم يخلدون معه فى النار . وليس هناك أشقى ممن يعيش دنياه فى هوان وذلة ، ثم ينتقل إلى أخراه فيجد مصيره العذاب الأليم الذى لا يموت فيه ولا يحيا . ثم أخذ القرآن فى تسلية المسلمين الذين أخرجوا من مكة وفارقوا المسجد الحرام ، مبييناً لهم أن الجهات كلها لله - تعالى - فقال { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ … } .