Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 116-117)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - تعالى - { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلك وقالت اليهود ليست النصارى على شىء إلخ " . واتخذ من الاتخاذ وهو الصنع والجعل والعمل . والولد يطلق على الذكر والأنثى ، والواحد والجمع . والذين قالوا اتخذ الله ولدا هم اليهود والنصارى والمشركون ، فقد حكى الله عن اليهود أنهم قالوا { عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } وحكى عن النصارى أنهم قالوا { ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } وحكى عن المشركين أنهم قالوا " الملائكة بنات الله " فيصح أن يكون الضمير فى قالوا عائداً على الفرق الثلاث أو على بعضهم . فمن المعروف أن القرآن يجرى على الأسلوب المعروف فى المخاطبات حيث يسند إلى القوم ما صدر من بعضهم فحين قال { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } أصبح من السائغ فى صحة المعنى أن يكون هذا القول قد صدر من طائفة منهم وقوله { سُبْحَانَهُ } تنزيه له عما هو نقص فى حقه ومحال عليه من اتخاذ الولد ، لاقتضاء الوالدية النوعية والجنسية والتناسل والافتقار ، والتشبيه والحدوث وفى الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولداً ، وهو يرزقهم ويعافيهم " . وسبحانه مصدر لسبح بمعنى نزه ، وهو منصوب بفعل لم يسمع من العرب التصريح به معه ، والأصل أسبحه سبحانه ، فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ، وأضيف إلى ضمير المنزه . وقوله { بَل لَّهُ مَا فى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } إضراب عن مقالاتهم التى نسبوا بها إلى الله اتخاذ الولد ، وشروع فى الاستدلال على بطلانها . واللام فى قوله { لَّهُ } للاختصاص الكامل وهو الملك الحقيقى ، و ما اسم موصول يراد منه الكائنات ما يعقل وما لا يعقل ومن جملة هذه الكائنات من ادعوا أنه ولد لله . والمقصود إثبات أن قولهم { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } زعم باطل ، فإن جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض مملوك لله يتصرف فيه كيف يشاء ، فلا حاجة إلى اتخاذ الولد ، إذ الولد إنما يسعى إليه الوالد ، أو يرغب فيه ليعتزبه أو ليحيى ذكره ، أو ليستعين به على القيام بأعباء الحياة . والله - تعالى - منزه عن أمثال هذه الأغراض التى لا تليق إلا بمن خلق ضعيفاً كالإِنسان ثم إن الحكمة من التوالد بقاء النوع محفوظاً بتوارد أمثال الوالد حيث لا سبيل إلى بقائه بعينه ، أما الخالق - تعالى - فهو الواحد فى ذاته وصفاته ، الباقى على الدوام ، كما قال تعالى { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } وقوله - تعالى - { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } . معناه كل له مطيعون طاعة تسخير وانقياد ، خاضعون لا يستعصى منهم شىء على مشيئته وإرادته شاهدون بلسان الحال والمقال على وحدانيته من القنوت وهو لزوم الطاعة مع الخضوع ، وإنما جاء { قَانِتُونَ } بجمع المذكر المختص بالعقلاء ، مع أن الخضوع لله يكون من العقلاء وغيرهم تغليباً للعقلاء على غيرهم ، لأنهم أهل القنوت عن إرادة وبصيرة ، ولأن ظهوره فيهم أكمل من ظهوره فى غيرهم . وفصلت جملة { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } عن سابقتها ، لقصد استقلالها بالاستدلال على نفى أن يكون لله ولد ، حتى لا يظن السامع أنها مكملة للدليل المسوق له قوله - تعالى - { لَّهُ مَا فى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } . ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر قدرته فقال { بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أى مبدعهما ومنشئهما بلا احتذاء ولا اقتداء . وبلا آلة ولا مادة ، وبديع صفة مشبهة من أبدع ، والذى ابتدعهما من غير أصل ولا مثال هو الله - تعالى - . وخص السماوات والأرض بالإِبداع ، لأنهما أعظم ما يشاهد من المخلوقات . قال القرطبى " قوله - تعالى - { بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } فعيل للمبالغة . وارتفع على أنه خبر ابتداء محذوف ، واسم الفاعل مبدع كبصير من مبصر . أبدعت الشىء لا عن مثال ، فالله - تعالى - بديع السماوات والأرض ، أى منشئهما وموجدهما ، ومخترعهما ، على غير حد ولا مثال ، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له مبدع ، ومنه أصحاب البدع وسميت البدعة بدعة لأن قائلها ابتدعها من غير فعل أو مقال إمام … " . وقوله { وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } معناه وإذا أراد - سبحانه - إحداث أمر من الأمور حدث فوراً . " وكن فيكون ، فعلان من الكون بمعنى الحدوث . ويرى كثير من أهل السنة أن الجملة واردة على وجه التمثيل ، لحدوث ما تتعلق به إرادته - سبحانه - بلا مهلة وبلا توقف . وليس المراد أنه إذا أراد إحداث أمر أتى بالكاف والنون ، ففى الكلام استعارة تمثيلية . ويرى آخرون أن الأمر يكن محمول على حقيقته ، وأنه - تعالى - أجرى سنته فى تكوين الأشياء أن يكونها بكلمة كن أزلا . وبذلك نرى أن الآيتين الكريمتين قد حكتا بعض الشبهات الباطلة التى أوردها الضالون حول وحدانية الله وردت عليها بما يدحضها ويثبت كذبها . ثم أورد القرآن بعد ذلك الشبهات التى أثاروها حول نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأجاب عنها بما يبطلها فقال تعالى { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ … } .