Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 171-171)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَثَلُ } الصفة والشأن ، وأصل المثل بمعنى المثل النظير والشبيه ، ثم أطلق على القول السائر المعروف ، لمماثلة مضربه - وهو الذى يضرب فيه - لمورده - وهو الذى ورد فيه أولا - ولا يكون إلا فيما فيه غرابة . ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة ، إذا كان لها شأن عجيب وفيها غرابة . و { يَنْعِقُ } من النعيق وهو الصياح . يقال نعق الراعى بالغنم ينعق نعقاً ونعاقاً ونعقاناً ، صاح بها وزجرها . والدعاء والنداء قيل بمعنى واحد أى أن ثانيهما تأكيد للأول ، وقيل الدعاء للقريب والنداء للبعيد . والظاهر أن المراد بهما نوعان من الأصوات . وأولهما وهو الدعاء معناه الصياح بالبهائم لتأتى . وثانيهما وهو النداء معناه الصياح بها لتذهب . قال الإِمام الرازى ما ملخصه وللعلماء من أهل التأويل فى هذه الآية طريقان أحدهما تصحيح المعنى بالإِضمار فى الآية . والثانى إجراء الآية على ظاهرها من غير إضمار . أما الذين أضمروا فذكروا وجوها الأول كأنه قال ومثل من يدعو الذين كفروا إلى الحق كمثل الذى ينعق ، فصار الناعق الذى هو الراعى بمنزلة الداعى إلى الحق . وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر الدعاة إلى الحق ، وصار الكفار بمنزلة الغنم المنعوق بها ، ووجه الشبه أن البهيمة تسمع الصوت ولا تفهم المراد ، وهؤلاء الكفار كانوا يسمعون صوت الرسول صلى الله عليه وسلم وألفاظه ، وما كانوا ينتفعون بها وبمعانيها . الثانى ومثل الذين كفروا فى دعائهم آلهتهم من الأوثان كمثل الناعق فى دعائه ما لا يسمع كالغنم وما يجرى مجراها من البهائم . فشبه الأصنام - فى أنها لا تفهم - بهذه البهائم ، فإذا كان ولا شك أن من دعا بهيمة عد جاهلا ، فمن دعا حجراً أولى بالذم . والفرق بين هذا القول والذى قبله أن ها هنا المحذوف هو المدعو ، وفى القول الذى قبله المحذوف هو الداعى . أما إجراء الآية على ظاهرها من غير إضمار فتقديره ، ومثل الذين كفروا فى قلة عقولهم فى عبادتهم لهذه الأوثان كمثل الراعى إذا تكلم مع البهائم ، فكما أنه يقضى على ذلك الراعى بقلة العقل فكذا ها هنا . ثم قال - رحمه الله - ومثل هذا المثل يزيد السامع معرفة بأحوال الكفار ، ويحقر إلى الكافر نفسه إذا سمع ذلك ، فيكون كسرا لقلبه ، وتضييقاً لصدره ، حيث صيره كالبهيمة فيكون فى ذلك نهاية الزجر والردع لمن يسمعه عن أن يسلك مثل طريقه فى التقليد " . وقوله - تعالى - { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } زيادة فى تبكيتهم وتقريعهم ، أى صم عن استماع دعوة الحق . بكم عن إجابة الداعى إليها ، عمى عن آيات صدقها وصحتها ، فهم لإِعراضهم عن الهادى لهم إلى ما ينفعهم وينجيهم من العذاب صاروا بمنزلة من فقد حواسه ، فأصبح لا يسمع ولا ينطق ولا يبصر . وقوله { فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } وارد مورد النتيجة بعد البرهان ، بجانب كونه توبيخاً لهم ، لأنهم بفقدهم أهم طرق الإِدراك وهما السمع والبصر ، وأهم وسيلة للثقافة وهى استطلاع الحقائق من طريق المحاورة والتكلم ، صاروا بعد كل ذلك بمنزلة من فقد عله الاكتسابى ، فأصبح لا يفقه شيئاً لأن العقل الذى يكتسب به الإِنسان المعارف والحقائق يستعين استعانة كبرى بهذه الحواس الثلاث . وبعد هذا البيان البليغ لحال الذين يتخذون من دون الله أنداداً ، ولحال الكافرين المقلدين لآبائهم فى الضلال بدون تدبر أو تعقل ، بعد كل ذلك وجهت السورة الكريمة نداء إلى المؤمنين بينت لهم فيه - وفيما سيأتى بعده من آيات - كثيراً من التشريعات والآداب والأحكام التى هم فى حاجة إليها فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ … إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .