Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 49-49)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الآية الكريمة معطوفة على قوله تعالى { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ } فى الآية السابقة ، من باب عطف المفصل على المجمل أى اذكروا نعمتى ، واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون . وإذ بمعنى وقت ، وهى مفعول به لفعل ملاحظ فى الكلام وهو اذكروا أى اذكروا وقت أن نجيناكم ، والمراد من التذكير بالوقت تذكيرهم بما وقع فيه من أحداث . وآل الرجل أهله وخاصته وأتباعه ، ويطلق غالباً على أولى الخطر والشأن من الناس ، فلا يقال آل الحجام أو الإِسكاف . وفرعون اسم لملك مصر كما يقال لملك الروم قيصر ، ولملك اليمن تبع ويسومونكم من سامه خسفا إذا أذله واحتقره وكلفه مالا يطيق . والابتلاء الامتحان والاختبار ، ويكون فى الخير والشر ، قال - تعالى - { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } والمعنى اذكروا يا بنى إسرائيل وقت أن نجيناكم من آل فرعون الذين كانوا يعذبونكم أشق العذاب وأصعبه ، ويبغونكم ما فيه إذلال لكم واستئصال لأعقابكم ، وامتهان لكرامتكم ، حيث كانوا يزهقون أرواح ذكوركم ، ويستبقون نفوس نسائكم ، وفى ذلكم العذاب ، وفى النجاة منه امتحان لكم بالسراء لتشكروا ، ولتقلعوا عن السيئات التى تؤدى بكم إلى الإِذلال فى الدنيا ، والعذاب فى الأخرى . قال الإِمام الرازى - رحمه الله - ما ملخصه واعلم أن الفائدة فى ذكر هذه النعمة - أى نعمة إنجائهم من عدوهم - يتأتى من وجوه أهمها 1 - أن هذه الأشياء التى ذكرها الله - تعالى - لما كانت من أعظم ما يمتحن به الناس من جهة الملوك والظلمة ، صار تخليص الله - عز وجل - لهم من هذه المحن من أعظم النعم ، وذلك لأنهم عاينوا هلاك من حاول إهلاكهم ، وشاهدوا ذل من بالغ فى إذلالهم ، ولا شك فى أن ذلك من أعظم النعم ، وعظم النعمة يوجب المبالغة فى الطاعة والبعد عن المعصية ، لذا ذكر الله هذه النعمة العظيمة ليلزمهم الحجة ، وليقطع عذرهم . 2 - أنهم لما عرفوا أنهم كانوا فى نهاية الذل . وكان عدوهم فى نهاية العز ، إلا أنهم كانوا محقين ، وكان خصمهم مبطلا ، لا جرم زال ذل المحقين ، وبطل عز المبطلين ، فكأنه تعالى يقول لهم لا تغتروا بكثرة أموالكم ولا بقوة مركزكم ، ولا تستهينوا بالمسلمين لقلة ذات يدهم ، فإن الحق إلى جانبهم . ومن كان الحق إلى جانبه ، فإن العاقبة لابد أن تكون له اهـ . وخوطب بهذه النعمة اليهود الذين كانوا فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم ومع أن هذا الاتجاء كان لأسلافهم ، لأن فى نجاة أسلافهم نجاة لهم ، فإنه لو استمر عذاب فرعون للآباء لأفناهم ، ولما بقى هؤلاء الأبناء ، فلذلك كانت منه التنجية تحمل فى طياتها منتين ، منه على السلف لتخليصهم مما كانوا فيه من عذاب ومنة على الخلف لتمتعهم بالحياة بسببها ، فكان من الواجب عليهم جميعاً أن يقدروا هذه النعمة قدرها ، وأن يخلصوا العبادة لخالقهم الذي أنجاهم من عدوهم . ولأن الإِنعام على أمة يعتبر إنعاماً شاملاً لأفرادها سواء منهم من أصابه ذلك الإِنعام ومن لم يصبه . ولأن الآثار التى تترتب عليه كثيرا ما يرثها الخلف عن السلف ، ولأن فى إخبارهم بذلك تصديقاً للنبى - عليه الصلاة والسلام - فيما يبلغه عن ربه ، فقد أخبرهم بتاريخ من مضى منهم بصدق وأمانة ، وفى ذلك دليل على أنه صادق فى نبوته ورسالته . وجعلت النجاة هنا من آل فرعون ولم تجعل منه ، مع أنه الآمر بتعذيب بنى إسرائيل ، للتنبيه على أن حاشيته وبطانته كانت عوناً له فى إذاقتهم سوء العذاب ، وإنزال الإِذلال والأعناب بهم . وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لليهود - وهو فى ظاهرة خير - لأن هذا الإِبقاء عليهن ، كان المقصود منه الاعتداء على أعراضهن واستعمالهن فى الخدمة بالاسترقاق . فبقاؤهن كذلك بقاء ذليل وعذاب أليم ، تأباه النفوس الكريمة ، والطباع الطيبة . قال الإِمام الرازى ما ملخصه فى ذبح الذكور دون الإِناث مضرة من وجوه أحدها أن ذبح الأبناء يقتضى فناء الرجال ، وذلك يقتضى انقطاع النسل ، لأن النساء إذا انفردن فلا تأثير لهن البتة فى ذلك ، وهذا يقضى فى نهاية الأمر إلى هلاك الرجال والنساء جميعاً . ثانيهما أن هلاك الرجال يقتضى فساد مصالح النساء فى أمر المعيشة ، فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها تعهد الرجال . لما قد تقع فيه من نكد العيش بالانفراد . فصارت هذه الخطة عظيمة فى المحن ، والنجاة منها تكون فى العظم بحسبها . ثالثها أن قتل الولد عقب الحمل الطويل ، وتحمل التعب ، والرجاء القوى فى الانتفاع به ، من أعظم العذاب ، فنعمة الله فى تخليصهم من هذه المحنة كبيرة . رابعها أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهم ، يؤدى إلى صيرورتهن مستفرشات الأعداء وذلك نهاية الذل والهوان . وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء فى قوله تعالى { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } الأطفال دون البالغين ، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك ، ولأن قتل جميع الرجال لا يفيدهم حيث أنهم كانوا يستعملونهم فى الأعمال الشافة والحقيرة ، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال ، لما قامت أم موسى بإلقائه فى اليم وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح . ويرى بعض المفسرين أن المراد بالأبناء الرجال لا الأطفال ، لأن لفظ الأبناء هنا جعل فى مقابلة النساء ، والنساء هن البالغات . والذى نرجحه هو القول الأول لما ذكرنا ، ولأنه أتم فى إظهار نعمة الإِنجاء ، حيث كان أهل فرعون يقتلون الصغار قطعاً للنسل ، ويسترقون الأمهات استعبادا لهن ، ويبقون الرجال للخدمة حتى ينقرضوا على سبيل التدرج ، وبقاء الرجال على هذه الحالة أشد عليهم من الموت . وقد جاءت جملة { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } فى هذه الآية الكريمة بدون عطف وجاءت فى سورة إبراهيم معطوفة بالواو . لأنها هنا بيان وتفسير لجملة { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } فيكون المراد من سوء العذاب هنا تذبيح الأبناء واستحياء النساء . وأما فى سورة إبراهيم . فقد جاء سياق الآيات لتعداد المحن التى حلت ببنى إسرائيل ، فكان المراد بجملة { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } نوعاً منه ، والمراد بجملة { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } نوعاً آخر من العذاب ، لذا وجب العطف ، لأن الجملة الثانية ليست مفسرة للأولى وإنما هى تمثل نوعاً آخر من المحن التى حلت بهم . هذا ، وقد تكرر تذكير بنى إسرائيل بنعمة إنجائهم من عدوهم فى مواضع متعددة من القرآن الكريم ، وذلك لجلال شأنها ، ولحملهم على الطاعة والشكر . 1 - من ذلك قوله تعالى فى سورة الأعراف { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } 2 - وقوله تعالى فى سورة طه { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ * كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } فهذه الآيات الكريمة وغيرها مما هى فى معناها فيها تذكير لبنى إسرائيل بنعمة من أجل نعم الله عليهم ، حيث أنجاهم - سبحانه - ممن أراد لهم السوء ، وعمل على قتلهم وإبادتهم واستئصال شأفتهم ، وفى ذلك ما يدعوهم إلى الاجتهاد فى شكر الله - عز وجل - لو كانوا ممن يحسنون شكر النعم . ثالثا نعمة فرق البحر بهم . ثم ذكرهم - سبحانه - بعد ذلك بنعمة ثالثة عظيمة حصل بها تمام الانجاء وتجلى فيها إكرام الله لهم ، وهى نعمة فرق البحر بهم فقال تعالى { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ … }