Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 57-57)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الغمام جمع غمامة ، وهى السحابة ، وخصه بعض علماء اللغة بالسحاب الأبيض . والمن اسم جنس لا واحد من لفظه ، وهو - على أرجح الأقوال - مادة صمغية تسقط على الشجر تشبه حلاوته حلاوة العسل . والسلوى اسم جنس جمعى ، واحدته سلواة ، وهر طائر برى لذيذ اللحم ، سهل الصيد ، يسمى بالسمانى ، كانت تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء ، فيمسكونه قبضاً بدون تعب . وتظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم ، كان فى مدة تيههم بين مصر والشام المشار إليه بقوله - تعالى { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ في ٱلأَرْضِ } قال السدى " لما دخل بنو إسرائيل التيه ، قالوا لموسى - عليه السلام - كيف لنا بما هاهنا ، أين الطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن فكان ينزل على شجرة الزنجبيل ، والسلوى وهو طائر يشبه السمانى أكبر منه فكان يأتى أحدهم فينظر إلى الطير فإن كان سميناً ذبحه وإلا أرسله ، فإذا سمن أتاه فقالوا هذا الطعام فأين الشراب ؟ فأمر الله - تعالى - موسى أن يضرب بعصاه الحجر فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، فشرب كل سبط من عين ، فقالوا هذا الشراب فأين الظل ؟ فظلل الله عليهم الغمام . قالوا هذا الظل فأين اللباس ؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ولا يتمزق لهم توب ، فذلك قوله تعالى { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ … } . ومعنى الآية الكريمة واذكروا يا بنى إسرائيل من بين نعمى عليكم نعمة إظلالكم بالغمام وأنتم فى التيه ليقيكم حر الشمس ، وحرارة الجو ، ولولا منحى إياكم الطعام اللذيذ المشتهى بدون تعب منكم فى تحصيله لهلكتم ، وقلنا لكم كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الذى رزقكم هذه النعم ، ولكنكم كفرتم بها ، فظلمتم أنفسكم دون أن ينالنا من ذلك شىء ، لأن الخلق جميعاً لن يبلغوا ضرى فيضرونى ولن يبلغوا نفعى فينفعونى . فالآية الكريمة قد أشارت إلى جحودهم النعمة بقوله تعالى { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } . وقوله تعالى { وَمَا ظَلَمُونَا } معطوف على محذوف ، أى فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر . ويرى البعض أنه لا حاجة إلى التقدير ، وأن جملة { وَمَا ظَلَمُونَا } معطوفة على ما قبلها لأنها مثلها فى أنها من أحوال بنى إسرائيل . والتعبير عن ظلمهم لأنفسهم بكلمة { كَانُوۤاْ } والفعل المضارع { يَظْلِمُونَ } يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان يتكرر منهم ، لأنك لا تقول فى ذم إنسان كان يسىء إلى الناس إلا إذا كانت الإِساءة تصدر منه المرة تلو الأخرى . قال الإِمام ابن جرير - رحمه الله - فى تفسير قوله تعالى { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ما ملخصه هذا من الذى استغنى بدلالة ظاهره على ما ترك منه ، وذلك أن معنى الكلام كلوا من طيبات ما رزقناكم فخالفوا ما أمرناهم به ، وعصوا ربهم ، ثم رسولنا إليهم ، وما ظلمونا فاكتفى بما ظهر عما ترك ، وقوله { وَمَا ظَلَمُونَا } أى ما ظلمونا بفعلهم ذلك ومعصيتهم ، وما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرة علينا ومنقصة لنا ، ولكنهم وضعوه من أنفسهم موضع مضرة عليها ومنقصة لها فإن الله - تعالى - لا تضره معصية عاص ، ولا يتحيف خزائنه ظلم ظالم ، ولا تنفعه طاعة مطيع ، ولا يزيد فى ملكه عدل عادل ، بل نفسَه يظلم الظالم وحظَّها يبخس العاصى ، وإياها ينفع المطيع ، وحظها يصيب العادل . وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ذكرت بنى إسرائيل بنعمة من أعظم النعم وهى تظليلهم بالغمام بإنزال المن والسلوى عليهم ، ولكن بنى إسرائيل لم يشكروا الله على نعمه ، ولذا أرسل الله عليهم رجزاً من السماء بسبب ظلمهم وفسقهم . تاسعاً نعمة تمكينهم من دخول بيت المقدس ونكولهم عن ذلك . ثم ذكرهم - سبحانه - بعد ذلك بمنة عظيمة مكنوا منها فما أحسنوا قبولها وما رعوها حق رعايتها - وهى تخليصهم من عناء التيه ، والإِذن لهم فى دخول بلدة يجدون فيها الراحة والهناء ، وإرشادهم إلى القول الذى يخلصهم مما استوجبوه من عقوبات ولكنهم خالفوه فقال تعالى { وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ … بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } .