Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 80-82)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات آثاراً ، منها ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال " إن اليهود كانوا يقولون إن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً فى النار ، وإنما هى سبعة أيام معدودة " ، فأنزل الله تعالى { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ … } الآيات . وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال " حدثنى أبى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لليهود أنشدكم بالله وبالتوراة التى أنزلها الله على موسى يوم طور سيناء ، من أهل النار الذين أنزلهم الله فى التوراة ؟ قالوا إن ربنا غضب علينا غضبة ، فنمكث فى النار أربعين ليلة ، ثم نخرج فتخلفوننا فيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبداً ، فنزل القرآن تصديقاً لقول النبى صلى الله عليه وسلم وتكذيباً لهم - نزل قوله تعالى - { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً … } إلى قوله تعالى { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . وأخرج ابن جرير - أيضاً - عن ابن عباس أنه قال فى قوله تعالى { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } ذلك أعداء الله اليهود ، قالوا لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم . الأيام التى أصبنا فيها العجل أربعين يوماً ، فإذا انقضت عنا تلك الأيام انقطع عنا العذاب والقسم . هذه بعض الآثار التى وردت فى سبب نزول الآيات الكريمة ، والمعنى وقالت اليهود - يا محمد - إن النار لن تصيبنا ، ولن نذوق حرها ، إلا أياماً قلائل - قل لهم - يا محمد - رداً على دعواهم الكاذبة هل اتخذتم من الله عهداً بذلك حتى يكون الوفاء به متحققاً ؟ أم تقولون على الله الباطل جهلا وجراءة عليه ؟ ثم أبطل القرآن الكريم دعواهم بأصل عام يشملهم ويشمل غيرهم فقال . ليس الأمر كما تدعون ، بل الحق أنه من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ومات عليها دون أن يتوب إلى الله - تعالى - منها { فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . وقوله تعالى { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } بيان لضرب من ضروب غرورهم وكذبهم ، معطوف على رذائلهم السابقة التى حكاها القرآن الكريم ، إذ الضمير فى قوله تعالى وقالوا يعود على اليهود الذين مر الحديث عنهم ولما ينته بعد . والمس اتصال أحد الشيئين بآخر على وجه الإِحساس والإِصابة . والمراد من النار نار الآخرة . والمراد من المعدودة المحصورة القليلة ، يقال شىء معدود أى قليل . وشىء غير معدود أى كثير فهم يدعون أن النار لن تمسهم إلا مدة يسيرة قد تكون سبعة أيام ، وقد تكون أربعين يوماً ، وبعدها يخرجون إلى الجنة لأن كل معدود منقض . ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم فيما زعموه فقال تعالى { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أى قل لهم - يا محمد - إن مثل هذا الإِخبار الجازم بأن النار لن تمسكم إلا أياماً معدودة ، لا يكون إلا ممن اتخذ عهداً من الله بذلك ، فهل تقدم لكم من الله عهد بأن النار لن تمسكم إلا أياماً معدودة ، فكان الوفاء متحققاً ، لأن الله - تعالى - لا يخلف وعده ، أم تقولون على الله شيئاً لا علم لكم به . فالاستفهام للإِنكار ، وهو متوجه إلى زعمهم أن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة ، فكأنه - سبحانه - يقول لهم . إن قولكم هذا يحتمل أمرين لا ثالث لهما إما اتخاذ عهد عند الله به ، وإما القول عليه - سبحانه - بدون علم ، وما دام قد ثبت أن اتخاذ العهد لم يحصل ، إذا أنتم - يا معشر اليهود - كاذبون فيما تدعون من أن النار لن تمسكم إلا أياماً معدودة . قال الإِمام الرازى قوله تعالى { أَتَّخَذْتُمْ } ليس باستفهام بل هو إنكار لأنه لا يجوز أن يجعل الله - تعالى - حجة رسوله فى إبطال قولهم أن يستفهمهم بل المراد التنبيه على طريقة الاستدلال ، وهى أنه لا سبيل إلى معرفة هذا التقدير إلا بالسمع ، فلما لم يوجد الدليل السمعى وجب ألا يجوز الجزم بهذا التقدير . وإنما ساق القرآن الكريم الرد عليهم فى صورة الاستفهام ، لما فيه من ظهور القصد إلى تقريرهم بأنهم قالوا على الله ما لا يعلمون ، إذ هم لا يستطيعون أن يثبتوا أن الله وعدهم بما ادعوه من أن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة ، ولا يوجد عندهم نص صحيح من كتابهم يؤيد مدعاهم . وبذلك تكون الآية الكريمة قد أبطلت مدعاهم إبطالا يحمل طابع الإِنكار والتوبيخ . ثم ساق - سبحانه - آية أبطلت مدعاهم عن طريق إثبات ما نفوه فقال تعالى { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . بلى حرف جواب يجىء لإِثبات فعل ورد قبلها منفياً ، والفعل المنفى هنا هو قول اليهود { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } فجاءت " بلى " لإِثبات أن النار تمسهم أكثر مما زعموا فهم فيها خالدون جزاء كفرهم وكذبهم . ومعنى الآية الكريمة ليس الأمر كما تدعون أيها اليهود ، من أن النار لن تمسكم إلا أياماً معدودة ، بل الحق أنكم ستخلدون فيها . فكل من كسب شركاً مثلكم ، واستولت عليه خطاياه ، وأحاطت به كما يحيط السرادق بمن فى داخله ، ومات على ذلك دون أن يدخل الإِيمان قلبه ويتوب إلى ربه فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . فالآية الكريمة فيها إبطال لمدعاهم ، وإثبات لما نفوه ، على وجه يشملهم ويشمل جميع من يقول قولهم ، ويكفر كفرهم . هذا والمراد بالسيئة هنا الشرك بالله كما قال جمهور المفسرين لورود الآثار عن السلف بذلك ، وفائدة الإِنيان بقوله تعالى { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ } بعد ذلك ، الإِشعار بأن الخطيئة إذا أحاطت بصاحبها أخذت بمجامع قلبه فحرمته الإِيمان ، وأخذت بلسانه فمنعته عن أن ينطق به . وقوله تعالى { فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } بيان لما أعد لهم من عقوبات جزاء كفرهم وكذبهم على الله ، فهم يوم القيامة سيكونون أصحاباً للنار ملازمين لها على التأييد لإِيثارهم فى الحياة الدنيا ما يوردهم سعيرها ، وهو الكفر وسوء الأفعال على ما يدخلهم الجنة وهو الإِيمان وصالح الأعمال . وبعد أن ذكر - سبحانه - ما أعد لهؤلاء اليهود وأمثالهم من الكافرين الذين يفترون على الله الكذب ، عقب ذلك ببيان ما أعده - سبحانه - لأهل الإِيمان والتقوى فقال تعالى { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أى والذين آمنوا بالله ورسوله ، وأطاعوا الله فأقاموا حدوده ، وأدوا فرائضه ، واجتنبوا محارمه ، فأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون خلوداً أبدياً ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ردت على اليهود أبلغ رد . حيث كذبتهم فى دعواهم أن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة ، وأنهم صائرون بعد ذلك إلى الجنة ، وأخبرتهم بخلودهم وخلود كل كافر فى النار ، وأما الجنة فهى لمن آمن وعمل صالحاً واتبع سبيل المرسلين فهؤلاء أصحابها وهم فيها خالدون . ثم تحدث القرآن بعد ذلك عن رذيلة من أبرز الرذائل التى طبع عليها بنو إسرائيل ، وهى رذيلة نقضهم للعهود والمواثيق فقال تعالى { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ … }