Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 95-98)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى قال موسى - عليه السلام - للسامرى { مَا خَطْبُكَ } أى ما شأنك ، وما الأمر العظيم الذى جعلك تفعل ما فعلت ؟ مصدر خطب يخطب - كقعد يقعد - ومنه قولهم هذا خطب يسير أو جلل ، وجمعه خطوب . وخصه بعضهم بما له خطر من الأمور ، وأصله الأمر العظيم الذى يكثر فيه التخاطب والتشاور ، ويخطب الخطيب الناس من أجله . وقد رد السامرى على موسى بقوله { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أى علمت ما لم يعلمه القوم ، وفطنت لما لم يفطنوا له ، ورأيت ما لم يروه . قال الزجاج يقال بصر بالشىء يبصر - ككرم وفرح - إذا علمه ، وأبصره إذا نظر إليه . وقيل هما بمعنى واحد . { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا } روى أن السامرى رأى جبريل - عليه السلام - حين جاء إلى موسى ليذهب به إلى الميقات لأخذ التوراة عن الله - عز وجل - ولم ير جبريل أحد غير السامرى من قوم موسى ، ورأى الفرس كلما وضعت حافرها على شىء اخضرت ، فعلم أن للتراب الذى تضع عليه الفرس حافرها شأنا ، فأخذ منه حفنة وألقاها فى الحلى المذاب فصار عجلا جسدا له خوار . والمعنى قال السامرى لموسى علمت ما لم يعلمه غيرى فأخذت حفنة من تراب أثر حافر فرس الرسول وهو جبريل - عليه السلام - فألقيت هذه الحفنة فى الحلى المذاب ، فصار عجلا جسدا له خوار . { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } أى ومثل هذا الفعل سولته لى نفسى ، أى زينته وحسنته لى نفسى ، لأجعل بنى إسرائيل يتركون عبادة إلهك يا موسى ، ويعبدون العجل الذى صنعته لهم . وعلى هذا التفسير الذى سار عليه كثير من المفسرين ، يكون المراد بالرسول جبريل - عليه السلام - ويكون المراد بأثره التراب الذى أخذه من موضع حافر فرسه . هذا ، وقد نقل الفخر الرازى عن أبى مسلم الأصفهانى رأيا آخر فى تفسير الآية فقال ما ملخصه ليس فى القرآن ما يدل على ما ذكره المفسرون ، فهنا وجه آخر ، وهو أن يكون المراد بالرسول موسى - عليه السلام - وبأثره سنته ورسمه الذى أمر به ، فقد يقول الرجل فلان يقص أثر فلان ويقتص أثره إذا كان يمتثل رسمه ، والتقدير أن موسى لما أقبل على السامرى بالتوبيخ وبسؤاله عن الأمر الذى دعاه إلى إضلال القوم بعبادة العجل ، رد عليه بقوله بصرت بما لم يبصروا به ، أى عرفت أن الذى أنتم عليه ليس بحق ، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول ، أى أخذت شيئا من علمك ودينك فنبذته ، أى طرحته … وعلى هذا التفسير الذى ذهب إليه أبو مسلم يكون المراد بالرسول موسى - عليه السلام - ويكون المراد بأثره دينه وسنته وعلمه . ويكون المعنى الإجمالى للآية أن السامرى قال لموسى - عليه السلام - كنت قد أخذت جانبا من دينك وعلمك ، ثم تبين لى أنك على ضلال فنبذت ما أخذته عنك وسولت لى نفسى أن أصنع للناس عجلا لكى يعبدوه لأن عبادته أراها هى الحق . وقد رجح الإمام الرازى فى تفسيره ما ذهب إليه أبو مسلم فقال واعلم أن هذا القول الذى قاله أبو مسلم ليس فيه إلا مخالفة للمفسرين ، ولكنه أقرب إلى التحقيق لوجوه . 1 - أن جبريل ليس مشهورا باسم الرسول ، ولم يجر له فيما تقدم ذكر حتى تجعل لام التعريف إشارة إليه . 2 - أنه لا بد فيه من الإضمار ، وهو قبضته من أثر حافر فرس الرسول ، والإضمار خلاف الأصل . 3 - أنه لا بد من التعسف فى بيان أن السامرى كيف اختص من بين جميع الناس برؤية جبريل ومعرفته ؟ ثم كيف عرف أن لتراب حافر فرسه هذا الأثر ؟ والذى ذكروه أن جبريل هو الذى رباه بعيد … وقد رد الإمام الآلوسى على الإمام الفخر الرازى - رحمهما الله - فقال ما ملخصه 1 - عهد فى القرآن الكريم إطلاق الرسول على جبريل ، كما فى قوله - تعالى - { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } وعدم جريان ذكره فيما تقدم لا يمنع أن يكون معهودا ، ويجوز أن يكون إطلاق الرسول عليه كان شائعا فى بنى إسرائيل . 2 - تقدير المضاف فى الكلام أكثر من أن يحصى ، وقد عهد ذلك فى كتاب الله غير مرة . 3 - رؤية السامرى دون غيره لجبريل ، كان ابتلاء من الله - تعالى - ليقضى الله أمرا كان مفعولا ، ومعرفته تأثير ذلك الأثر دون غيره كانت بسبب ما ألقى فى روعه من أنه لا يلقيه على شىء فيقول له كن كذا إلا كان - كما فى خبر ابن عباس - أو كانت لما شاهد من خروج النبات بالوطء - كما فى بعض الآثار - … ويبدو لنا أن ما ذهب إليه أبو مسلم ، أقرب إلى ما يفيده ظاهر القرآن الكريم ، إذا ما استبعدنا تلك الروايات التى ذكرها المفسرون فى شأن السامرى وفى شأن رؤيته لجبريل . ولا نرى حرجا فى استبعادها ، لأنها عارية عن السند الصحيح إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أو إلى أصحابه ، ويغلب على ظننا أنها من الإسرائيليات التى نرد العلم فيها إلى الله - تعالى - . و قوله - سبحانه - { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } حكاية لما قاله موسى - عليه السلام - للسامرى . والمساس مصدر ماسّ - بالتشديد - كقتال من قاتل ، وهو منفى بلا التى لنفى الجنس . والمعنى قال موسى للسامرى ما دمت قد فعلت ذلك فاذهب ، فإن لك فى مدة حياتك ، أن تعاقب بالنبذ من الناس ، وأن تقول لهم إذا ما اقترب أحد منك { لاَ مِسَاسَ } أى لا أمَسُّ أحدا ولا يَمسُّنى أحد ، ولا أخالط أحداً ولا يخالطنى أحد . قال صاحب الكشاف عوقب فى الدنيا بعقوبة لا شىء أطم منها وأوحش وذلك أنه مُنِع من مخالطة الناس منعا كليا ، وحرم عليهم ملاقاته ومكالمه ومبايعته ومواجهته ، وكل ما يعايش به الناس بعضهم بعضا . وإذا اتفق أن يماس أحدا - رجلا أو امرأة - حم الماس والممسوس - أى أصيبا بمرض الحمى - فتحامى الناس وتحاموه ، وكان يصيح لا مساس . وعادى فى الناس أوحش من القاتل اللاجىء إلى الحرم ، ومن الوحش النافر فى البرية … وقال الآلوسى ما ملخصه والسر فى عقوبته على جنايته بما ذكر . أنه ضد ما قصده من إظهار ذلك ليجتمع عليه الناس ويعززوه ، فكان ما فعله سببا لبعدهم عنه وتحقيره . وقيل عوقب بذلك ليكون الجزاء من جنس العمل ، حيث نبذ فنبذ ، فإن ذلك التحامى عنه أشبه شىء بالنبذ … قالوا وهذه الآية الكريمة أصل فى نفى أهل البدع والمعاصى وهجرانهم وعدم مخالطتهم . ثم بين - سبحانه - عقوبة السامرى فى الآخرة ، بعد بيان عقوبته فى الدنيا فقال { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } . وقوله { تُخْلَفَهُ } قرأها الجمهور بضم التاء وفتح اللام . أى وإن لك موعدا فى الآخرة لن يخلفك الله - تعالى - إياه . بل سينجزه لك ، فيعاقبك يومئذ العقاب الأليم الذى تستحقه بسبب ضلالك وإضلالك ، كما عاقبك فى الدنيا بعقوبة الطرد والنفور من الناس . وقرأ ابن كثير وأبو عمر { لَّن تُخِلَفَهُ } بضم التاء وكسر اللام أى وإن لك موعدا فى الآخرة لن تستطيع التخلف عنه ، أو المهرب منه ، بل ستأتيه وأنت صاغر … ثم بين - سبحانه - ما فعله موسى - عليه السلام - بالعجل الذى صنعه السامرى لإِضلال الناس . فقال { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } . أى وقال موسى - أيضا - للسامرى وانظر إلى معبودك العجل الذى أقمت على عبادته أنت وأتباعك فى غيبتى عنكم . { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } بالنار أمام أعينكم ، والجملة جواب لقسم محذوف ، أى والله لنحرقنه { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } أى لم لَنُذرِينَّه فى البحر تذرية ، بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر . يقال نسف الطعام ينسفه نسفا ، إذا فرقه وذراه بحيث لا يبقى منه شىء . وقد نفذ موسى - عليه السلام - ذلك حتى يظهر للأغبياء الجاهلين الذين عبدوا العجل ، أنه لا يستحق ذلك . وإنما يستحق الذبح والتذرية ، وأن عبادتهم له إنما هى دليل واضح على انطماس بصائرهم ، وشدة جهلهم . وقوله - تعالى - { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } . استئناف مسوق لإِحقاق الحق وإبطال الباطل أى إنما المستحق للعبادة والتعظيم هو الله - تعالى - وحده ، الذى وسع علمه كل شىء . ولا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء . وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد قصت علينا بأسلوب بليغ حكيم ، جوانب من رعاية الله - تعالى - لنبيه موسى - عليه السلام - ورحمته به ، كما قصت علينا تلك المحاورات التى تمت بين موسى وفرعون ، وبين موسى والسحرة كما حدثتنا عن جانب من النعم التى أنعم الله - تعالى - بها على بنى إسرائيل ، وكيف أنهم قابلوها بالجحود والكنود وبإيذاء نبيهم موسى - عليه السلام - . ثم أشار - سبحانه - بعد ذلك إلى العبرة من قصص الأولين ، وإلى التنويه بشأن القرآن الكريم ، وإلى أن يوم القيامة آت لا ريب فيه ، فقال - تعالى - { كَذٰلِكَ نَقُصُّ … } .