Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 83-84)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن كثير " يذكر الله - تعالى - عن أيوب - عليه السلام - ما كان قد أصابه من البلاء فى ماله وولده وجسده ، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شىء كثير ، وأولاد كثيرون ، ومنازل مرضية . فابتلى فى ذلك كله ، وذهب عن آخره ، ثم ابتلى فى جسده … ولم يبقى من الناس أحد يحنو عليه سوى زوجته … وقد كان نبى الله أيوب غاية فى الصبر ، وبه يضرب المثل فى ذلك . وقال الآلوسى وهو ابن أموص بن رزاح بن عيص بن إسحاق . وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط ، وأن أباه ممن آمن بإبراهيم فعلى هذا كانت بعثته قبل موسى وهارون . وقيل بعد شعيب ، وقيل بعد سليمان … " . والضر - بالفتح - يطلق على كل ضرر - وبالضم - خاص بما يصيب الإِنسان فى نفسه من مرض وأذى وما يشبههما . والمعنى واذكر - أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب - عبدنا أيوب - عليه السلام - وقت أن نادى ربه ، وتضرع إليه بقوله يا رب أنى أصابنى ما أصابنى من الضر والتعب ، وأنت أجل وأعظم رحمة من كل من يتصف بها . فأنت ترى أن أيوب - عليه السلام - لم يزد فى تضرعه عن وصف حاله { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } ووصف خالقه - تعالى - بأعظم صفات الرحمة دون أن يقترح شيئا أو يطلب شيئا ، وهذا من الأدب السامى الذى سلكه الأنبياء مع خالقهم - عز وجل - . قال صاحب الكشاف " ألطف - أيوب - فى السؤال ، حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة ، وذكر ربه بغاية الرحمة ، ولم يصرح بالمطلوب . ويحكى أن عجوزا تعرضت لسليمان بن عبد الملك فقالت يا أمير المؤمنين ، مشت جرذان - أى فئران - بيتى على العصى ! ! فقال لها ألطفت فى السؤال ، لا جرم لأجعلنها تثب وثب الفهود ، وملأ بيتها حبا … " . وبعد أن دعا أيوب ربه - تعالى - بهذه الثقة ، وبهذا الأدب والإِخلاص ، كانت الإِجابة المتمثلة فى قوله - تعالى - { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } أى دعاءه وتضرعه { فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ } أى فأنزلنا ما نزل به من بلاء فى جسده ، وجعلناه سليما معافى . بأن أمرناه أن يضرب برجله الأرض ففعل ، فنبعت له عين فاغتسل منها ، فزال عن بدنه كل مرض أصابه بإذن الله - تعالى - . قال - سبحانه - { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ … } وقال - تعالى - { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } أى لم نخيب رجاء أيوب حين دعانا ، بل استجبنا له دعاءه ، بفضلنا وكرمنا ، فأزلنا عنه المرض الذى نزل به ، ولم نكتف بهذا - أيضا - بل عوضناه عمن فقده من أولاده ، ورزقناه مثلهم معهم . قال الآلوسى ما ملخصه " قوله { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال سألت النبى - صلى الله عليه وسلم - عن قوله { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } فقال " رد الله - تعالى - امرأته إليه ، وزاد فى شبابها ، حتى ولدت له ستا وعشرين ذكرا " . فالمعنى على هذا آتيناه فى الدنيا مثل أهله عددا مع زيادة مثل آخر . وعن قتادة إن الله أحيا له أولاده الذين هلكوا فى بلائه ، وأوتى مثلهم فى الدنيا … ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله - تعالى - { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } أى أجبنا له دعاءه ، وفعلنا معه ما فعلناه من ألوان الخيرات ، من أجل رحمتنا به ، ومن أجل أن يكون ما فعلناه معه عبرة وعظة وذكر لغيره من العابدين حتى يقتدوا به فى صبره على البلاء ، وفى المداومة على شكرنا فى السراء والضراء . وخص - سبحانه - العابدين بالذكرى ، لأنهم أكثر الناس بلاء وامتحانا . ففى الحديث الشريف " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل " . وفى حديث آخر " يبتلى الرجل على قدر دينه ، فإن كان فى دينه صلابة زيد فى بلائه " . وقد كان أيوب آية فى الصبر ، وبه يضرب المثل فى ذلك . هذا ، وقصة أيوب - عليه السلام - ستأتى بصورة أكثر تفصيلا فى سورة " ص " ، وقد تركنا هنا أقوالا عن كيفية مرضه ، وعن مدة هذا المرض … نظرا لضعفها ، ومنافاتها لعصمة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - من الأمراض المنفرة . ثم أشارت السورة إشارات مجملة إلى قصة كل من إسماعيل وإدريس وذىالكفل ، قال - تعالى - { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ … } .